فصل: لاَ نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***


بسم الله الرحمن الرحيم

كِتَابُ النِّكَاحِ

مَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ‏}‏ قَالَ‏:‏ فَلاَ يَحِلُّ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِحَالٍ مِنْ نِكَاحٍ وَلاَ مِلْكِ يَمِينٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْزَلَهُ مُطْلَقًا فَلاَ يَحْرُمُ مِنْ الْحَرَائِرِ شَيْءٌ إلَّا حَرُمَ مِنْ الْإِمَاءِ بِالْمِلْكِ مِثْلُهُ إلَّا الْعَدَدُ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى انْتَهَى بِالْحَرَائِرِ إلَى أَرْبَعٍ وَأَطْلَقَ الْإِمَاءَ فَقَالَ عَزَّ ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ‏}‏ لَمْ يَنْتَهِ بِذَلِكَ إلَى عَدَدٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِي الْجَهْمِ عَنْ أَبِي الْأَخْضَرِ عَنْ عُمَارَةَ أَنَّهُ كَرِهَ مِنْ الْإِمَاءِ مَا كَرِهَ مِنْ الْحَرَائِرِ إلَّا الْعَدَدَ‏.‏

أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ وَأَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ‏:‏ يُكْرَهُ مِنْ الْإِمَاءِ مَا يُكْرَهُ مِنْ الْحَرَائِرِ إلَّا الْعَدَدُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَذَا مِنْ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَعْنَى الْقُرْآنِ وَبِهِ نَأْخُذُ، قَالَ‏:‏ وَالْعَدَدُ لَيْسَ مِنْ النَّسَبِ وَلاَ الرِّضَاعِ بِسَبِيلٍ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ عَنْ الْأُخْتَيْنِ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ هَلْ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا‏؟‏ فَقَالَ عُثْمَانُ‏:‏ أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ، وَأَمَّا أَنَا فَلاَ أُحِبُّ أَنْ أَصْنَعَ ذَلِكَ، قَالَ فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَلَقِيَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ لَوْ كَانَ لِي مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ ثُمَّ وَجَدْت أَحَدًا فَعَلَ ذَلِكَ لَجَعَلْته نَكَالاً‏.‏

قَالَ مَالِكٌ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ‏:‏ أَرَاهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، قَالَ مَالِكٌ‏:‏ وَبَلَغَنِي عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ مِثْلُ ذَلِكَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ وَابْنَتِهَا مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ هَلْ تُوطَأُ إحْدَاهُمَا بَعْدَ الْأُخْرَى‏؟‏ فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ مَا أُحِبُّ أَنْ أُجِيزَهُمَا جَمِيعًا وَنَهَاهُ‏.‏

أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ سُئِلَ عُمَرُ عَنْ الْأُمِّ وَابْنَتِهَا مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ فَقَالَ‏:‏ مَا أُحِبُّ أَنْ أُجِيزَهُمَا جَمِيعًا فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ أَبِي فَوَدِدْت أَنَّ عُمَرَ كَانَ أَشَدَّ فِي ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فِيهِ‏.‏

أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ وَعَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ سَمِعْت ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يُخْبِرُ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ جَاءَ إلَى عَائِشَةَ فَقَالَ لَهَا‏:‏ إنَّ لِي سُرِّيَّةً قَدْ أَصَبْتهَا وَأَنَّهَا قَدْ بَلَغَتْ لَهَا ابْنَةٌ جَارِيَةٌ لِي أفأستسر ابْنَتَهَا‏؟‏ فَقَالَتْ لاَ فَقَالَ‏:‏ فَإِنِّي وَاَللَّهِ لاَ أَدَعُهَا إلَّا أَنْ تَقُولِي لِي حَرَّمَهَا اللَّهُ فَقَالَتْ لاَ يَفْعَلُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِي وَلاَ أَحَدٌ أَطَاعَنِي‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَةٌ فَطَلَّقَهَا فَكَانَ لاَ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَهَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ جَامِعٍ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَإِذَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فَفِي ذَلِكَ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا بَعْدَ الْأُخْرَى وَهَذِهِ مَنْكُوحَةٌ بَعْدَ الْأُخْرَى وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ جَارِيَةٌ يَطَؤُهَا فَأَرَادَ وَطْءَ أُخْتِهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ وَطْءُ الَّتِي أَرَادَ أَنْ يَطَأَ حَتَّى يَحْرُمَ عَلَيْهِ فَرْجُ الَّتِي كَانَ يَطَأُ بِنِكَاحٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ خُرُوجٍ مِنْ مِلْكِهِ، فَإِذَا فَعَلَ بَعْضَ هَذَا ثُمَّ وَطِئَ الْأُخْتَ ثُمَّ عَجَزَتْ الْمُكَاتَبَةُ أَوْ رُدَّتْ الْمَنْكُوحَةُ كَانَتْ الَّتِي أُبِيحَ لَهُ فَرْجُهَا أَوَّلاً ثُمَّ حَرُمَتْ عَلَيْهِ غَيْرَ حَلاَلٍ لَهُ حَتَّى يَحْرُمَ فَرْجُ الَّتِي وَطِئَ بَعْدَهَا كَمَا حَرُمَ فَرْجُهَا قَبْلَ أَنْ يَطَأَ أُخْتَهَا ثُمَّ هَكَذَا أَبَدًا، وَسَوَاءٌ وَلَدَتْ لَهُ الَّتِي وَطِئَ أَوَّلاً وَآخِرًا أَوْ لَمْ تَلِدْ لِأَنَّهُ فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ إنَّمَا يَطَؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ‏.‏

وَإِذَا اجْتَمَعَ النِّكَاحُ وَمِلْكُ الْيَمِينِ فِي أُخْتَيْنِ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ لاَ يُفْسِدُهُ مِلْكُ الْيَمِينِ كَانَ النِّكَاحُ قَبْلُ أَوْ بَعْدُ‏.‏

فَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ جَارِيَةٌ يَطَؤُهَا فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْ لَمْ تَلِدْ حَتَّى يَنْكِحَ أُخْتَهَا كَانَ النِّكَاحُ ثَابِتًا وَحَرُمَ عَلَيْهِ فَرْجُ الْأُخْتِ بِالْوَطْءِ مَا كَانَتْ أُخْتُهَا زَوْجَةً لَهُ، وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ حَرَّمَ فَرْجَ أُخْتَهَا الْمَمْلُوكَةِ حِينَ يَعْقِدُ نِكَاحَ أُخْتِهَا بِالنِّكَاحِ أَوْ قَبْلَهُ بِكِتَابَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ أُجْبِرْهُ عَلَى ذَلِكَ وَلاَ عَلَى بَيْعِهَا وَنَهَيْته عَنْ وَطْئِهَا كَمَا لاَ أُجْبِرُهُ عَلَى بَيْعِ جَارِيَةٍ لَهُ وَطِئَ ابْنَتَهَا وَأَنْهَاهُ عَنْ وَطْئِهَا‏.‏

وَلَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَةٌ زَوْجَةٌ فَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا حُرَّةً كَانَ نِكَاحُ الْآخِرَةِ مَفْسُوخًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَطْءِ بِالْمِلْكِ وَالنِّكَاحِ‏؟‏ قِيلَ لَهُ النِّكَاحُ يُثْبِتُ لِلرَّجُلِ حَقًّا عَلَى الْمَرْأَةِ وَلِلْمَرْأَةِ حَقًّا عَلَى الرَّجُلِ وَمِلْكُ عُقْدَةِ النِّكَاحِ يَقُومُ فِي تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي الْأَمَتَيْنِ‏.‏

فَلَوْ مَلَكَ رَجُلٌ عُقْدَةَ نِكَاحِ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ أَفْسَدْنَا نِكَاحَهُمَا وَلَوْ تَزَوَّجَهُمَا لاَ يَدْرِي أَيَّتَهُمَا أَوَّلُ أَفْسَدْنَا نِكَاحَهُمَا وَلَوْ مَلَكَ امْرَأَةً وَأُمَّهَاتِهَا وَأَوْلاَدَهَا فِي صَفْقَةِ بَيْعٍ لَمْ نُفْسِدْ الْبَيْعَ وَلاَ يَحْرُمُ الْجَمْعُ فِي الْبَيْعِ إنَّمَا يَحْرُمُ جَمْعُ الْوَطْءِ فِي الْإِمَاءِ، فَأَمَّا جَمْعُ عُقْدَةِ الْمِلْكِ فَلاَ يَحْرُمُ‏.‏

وَلَوْ وَطِئَ أَمَةً ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ سَاعَتِهِ أَوْ أَعْتَقَهَا أَوْ كَاتَبَهَا أَوْ بَاعَ بَعْضَهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَطَأَ أُخْتَهَا مَكَانَهُ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْمَرْأَةِ أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَهَا وَهِيَ زَوْجَةٌ لَهُ وَلاَ أَنْ يُمَلِّكَ الْمَرْأَةَ غَيْرَهُ وَلاَ أَنْ يُحَرِّمَهَا عَلَيْهِ بِغَيْرِ طَلاَقٍ، وَوَلَدُ الْمَرْأَةِ يَلْزَمُهُ بِالْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِوَطْءٍ إلَّا أَنْ يُلاَعِنَ، وَوَلَدُ الْأَمَةِ لاَ يَلْزَمُ بِغَيْرِ إقْرَارٍ بِوَطْءٍ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ زَوْجَةً لَهُ وَيَحِلُّ فَرْجُهَا لِغَيْرِهِ وَالْأَمَةُ تَكُونُ مَمْلُوكَةً لَهُ وَفَرْجُهَا حَلاَلٌ لِغَيْرِهِ إذَا زَوَّجَهَا وَحَرَامٌ عَلَيْهِ وَهُوَ مَالِكٌ رَقَبَتَهَا وَلَيْسَ هَكَذَا الْمَرْأَةُ، الْمَرْأَةُ يُحِلُّ عَقْدُهَا جِمَاعَهَا وَلاَ يَحْرُمُ جِمَاعُهَا وَالْعَقْدُ ثَابِتٌ عَلَيْهَا إلَّا بِعِلَّةِ صَوْمٍ أَوْ إحْرَامٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ مِمَّا إذَا ذَهَبَ حَلَّ فَرْجُهَا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً لَهُ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ فَأَسْلَمَ الزَّوْجُ وَاشْتَرَى أُخْتَ امْرَأَتِهِ فَوَطِئَهَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ فِي الْعِدَّةِ حَرُمَ عَلَيْهِ فَرْجُ جَارِيَتِهِ الَّتِي اشْتَرَى وَلَمْ تُبَعْ عَلَيْهِ وَكَانَتْ امْرَأَتُهُ امْرَأَتَهُ بِحَالِهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُسْلِمَةُ قَبْلَهُ وَاشْتَرَى أُخْتَهَا أَوْ كَانَتْ لَهُ فَوَطِئَهَا ثُمَّ أَسْلَمَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ جَارِيَةٌ فَوَطِئَهَا فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ فَرْجُهَا حَتَّى وَطِئَ أُخْتَهَا اُجْتُنِبَتْ الَّتِي وَطِئَ آخِرًا بِوَطْءِ الْأَوْلَى وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ اجْتَنَبَ الْأُولَى حَتَّى يَسْتَبْرِئَ الْآخِرَةَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ‏:‏ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا وَلَدَتْ الَّتِي وُطِئَتْ أَوَّلاً أَوْ آخِرًا أَوْ هُمَا أَمْ لَمْ تَلِدْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، وَلَوْ حَرُمَ فَرْجُ الَّتِي وَطِئَ أَوَّلاً بَعْدَ وَطْءِ الْآخِرَةِ أَبَحْتُ لَهُ وَطْءَ الْآخِرَةِ، ثُمَّ لَوْ حَلَّ لَهُ فَرْجُ الَّتِي زُوِّجَ فَحَرُمَ فَرْجُهَا عَلَيْهِ بِأَنْ يُطَلِّقَهَا زَوْجُهَا أَوْ تَكُونَ مُكَاتَبَةً فَتَعْجِزُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ هِيَ وَكَانَتْ الَّتِي وَطِئَ حَلاَلاً لَهُ حَتَّى يَحْرُمَ عَلَيْهِ فَرْجُهَا فَتَحِلُّ لَهُ الْأُولَى، ثُمَّ هَكَذَا أَبَدًا مَتَى حَلَّ لَهُ فَرْجُ وَاحِدَةٍ فَوَطِئَهَا حَرُمَ عَلَيْهِ وَطْءُ الْأُخْرَى حَتَّى يَحْرُمَ عَلَيْهِ فَرْجُ الَّتِي حَلَّتْ لَهُ ثُمَّ يَحِلُّ لَهُ فَرْجُ الَّتِي حَرُمَتْ عَلَيْهِ فَيَكُونُ تَحْرِيمُ فَرْجِهَا كَطَلاَقِ الرَّجُلِ الزَّوْجَةَ الَّذِي لاَ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ ثُمَّ يُبَاحُ لَهُ نِكَاحُ أُخْتِهَا، فَإِذَا نَكَحَهَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُ الَّتِي طَلَّقَهَا حَتَّى تَبِينَ هَذِهِ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ فِي أَنَّهُ يَمْلِكُ رَقَبَةَ أُخْتَيْنِ وَأَخَوَاتٍ وَأُمَّهَاتٍ وَلاَ يَمْلِكُ عَقْدَ أُخْتَيْنِ بِنِكَاحٍ‏.‏

مَنْ يَحِلُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ امْرَأَةَ الرَّجُلِ وَابْنَتَهُ لِأَنَّهُ لاَ نَسَبَ بَيْنَهُمَا يَحْرُمُ بِهِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لَهُ وَلاَ رِضَاعَ وَإِنَّمَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ فِي بَعْضِ ذَوَاتِ الْأَنْسَابِ بِمَنْ جَمَعَهُنَّ إلَيْهِ وَقَامَ الرِّضَاعُ مَقَامَ النَّسَبِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صَفْوَانَ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَةِ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ وَابْنَتِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ الْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ جَمَعَ ابْنُ عُمَرَ لِي بَيْنَ ابْنَتَيْ عَمٍّ لَهُ فَأَصْبَحَ النِّسَاءُ لاَ يَدْرِينَ أَيْنَ يَذْهَبْنَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ وَيُزَوِّجَ ابْنَتَهَا ابْنَهُ لِأَنَّ الرَّجُلَ غَيْرُ ابْنِهِ قَدْ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ مَا لاَ يَحْرُمُ عَلَى ابْنِهِ، وَكَذَلِكَ يُزَوِّجُهُ أُخْتَ امْرَأَتِهِ‏.‏

الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «لاَ يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَهُوَ قَوْلُ مَنْ لَقِيت مِنْ الْمُفْتِينَ لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ فِيمَا عَلِمْته وَلاَ يُرْوَى مِنْ وَجْهٍ يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ لاَ يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَفِي هَذَا حُجَّةٌ عَلَى مَنْ رَدَّ الْحَدِيثَ وَعَلَى مَنْ أَخَذَ بِالْحَدِيثِ مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى إلَّا أَنَّ الْعَامَّةَ إنَّمَا تَبِعَتْ فِي تَحْرِيمِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا قَوْلَ الْفُقَهَاءِ، وَلَمْ نَعْلَمْ فَقِيهًا سُئِلَ لِمَ حَرُمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا إلَّا قَالَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا أَثْبَتَ بِحَدِيثٍ مُنْفَرِدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَحَرَّمَهُ بِمَا حَرَّمَهُ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ عِلْمَ لَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَبَ عَلَيْهِ إذَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا آخَرَ لاَ يُخَالِفُهُ أَحَدٌ بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُحَرِّمَ بِهِ مَا حَرَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُحِلَّ بِهِ مَا أَحَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ فَعَلْنَا هَذَا فِي حَدِيثِ التَّغْلِيسِ وَغَيْرِ حَدِيثٍ وَفَعَلَهُ غَيْرُنَا فِي غَيْرِ حَدِيثِ، ثُمَّ يَتَحَكَّمُ كَثِيرٌ مِمَّنْ جَامَعْنَا عَلَى تَثْبِيتِ الْحَدِيثِ فَيُثْبِتُهُ مَرَّةً وَيَرُدُّهُ أُخْرَى وَأَقَلُّ مَا عَلِمْنَا بِهَذَا أَنْ يَكُونَ مُخْطِئًا فِي التَّثْبِيتِ أَوْ فِي الرَّدِّ لِأَنَّهَا طَرِيقٌ وَاحِدَةٌ فَلاَ يَجُوزُ تَثْبِيتُهَا مَرَّةً وَرَدُّهَا أُخْرَى وَحُجَّتُهُ عَلَى مَنْ قَالَ لاَ أَقْبَلُ إلَّا الْإِجْمَاعَ لِأَنَّهُ لاَ يُعَدُّ إجْمَاعًا تَحْرِيمُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا وَلَيْسَ يُسْأَلُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلِمْتُهُ إلَّا قَالَ إنَّمَا نُثْبِتُهُ مِنْ الْحَدِيثِ وَهُوَ يَرُدُّ مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَقْوَى مِنْهُ مِرَارًا، قَالَ وَلَيْسَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا مِمَّا أَحَلَّ وَحَرَّمَ فِي الْكِتَابِ مَعْنًى، إلَّا أَنَّا إذَا قَبِلْنَا تَحْرِيمَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَنْ اللَّهِ تَعَالَى قَبِلْنَاهُ بِمَا فَرَضَ مِنْ طَاعَتِهِ‏.‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ قَدْ ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ حَرُمَ مِنْ النِّسَاءِ وَأَحَلَّ مَا وَرَاءَهُنَّ‏؟‏ قِيلَ الْقُرْآنُ عَرَبِيُّ اللِّسَانِ مِنْهُ مُحْتَمَلٌ وَاسِعٌ ذَكَرَ اللَّهُ مَنْ حَرُمَ بِكُلِّ حَالٍ فِي الْأَصْلِ وَمَنْ حَرُمَ بِكُلِّ حَالٍ إذَا فَعَلَ النَّاكِحُ أَوْ غَيْرُهُ فِيهِ شَيْئًا مِثْلَ الرَّبِيبَةِ إذَا دَخَلَ بِأُمِّهَا حَرُمَتْ وَمِثْلَ امْرَأَةِ ابْنِهِ وَأَبِيهِ إذَا نَكَحَهَا أَبُوهُ حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِكُلِّ حَالٍ، وَكَانُوا يَجْمَعُونَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فَحَرَّمَهُ وَلَيْسَ فِي تَحْرِيمِهِ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إبَاحَةُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ مَا عَدَا الْأُخْتَيْنِ إذَا كَانَ مَا عَدَا الْأُخْتَيْنِ مُخَالِفًا لَهُمَا كَانَ أَصْلاً فِي نَفْسِهِ‏.‏ وَقَدْ يَذْكُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الشَّيْءَ فِي كِتَابِهِ فَيُحَرِّمُهُ وَيُحَرِّمُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَهُ، مِثْلُ قَوْلِهِ «وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ» لَيْسَ فِيهِ إبَاحَةٌ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ لِأَنَّهُ انْتَهَى بِتَحْلِيلِ النِّكَاحِ إلَى أَرْبَعٍ «وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغَيْلاَنَ بْنِ سَلَمَةَ وَأَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» فَأَبَانَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ انْتِهَاءَ اللَّهِ بِتَحْلِيلِهِ إلَى أَرْبَعٍ حَظْرٌ لِمَا وَرَاءَ أَرْبَعٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَصًّا فِي الْقُرْآنِ، وَحَرُمَ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْجَمْعِ وَالنَّسَبِ النِّسَاءُ الْمُطَلَّقَاتُ ثَلاَثًا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ بِالْقُرْآنِ وَامْرَأَةُ الْمُلاَعَنِ بِالسُّنَّةِ وَمَا سِوَاهُنَّ مِمَّا سُمِّيَتْ كِفَايَةٌ لِمَا اسْتَثْنَى مِنْهُ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَالْقَوْلُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَعَمَّاتِهَا مِنْ قِبَلِ آبَائِهَا وَخَالَتِهَا وَخَالاَتِهَا مِنْ قِبَلِ أُمَّهَاتِهَا وَإِنْ بَعُدْنَ كَالْقَوْلِ فِي الْأَخَوَاتِ سَوَاءٌ إنْ نَكَحَ وَاحِدَةً ثُمَّ نَكَحَ أُخْرَى بَعْدَهَا ثَبَتَ نِكَاحُ الْأُولَى وَسَقَطَ نِكَاحُ الْآخِرَةِ وَإِنْ نَكَحَهُمَا فِي عُقْدَةٍ مَعًا انْفَسَخَ نِكَاحَهُمَا وَإِنْ نَكَحَ الْعَمَّةَ قَبْلَ بِنْتِ الْأَخِ أَوْ ابْنَةَ الْأَخِ قَبْلَ الْعَمَّةِ فَسَوَاءٌ هُوَ جَامِعٌ بَيْنَهُمَا فَيَسْقُطُ نِكَاحُ الْآخِرَةِ وَيَثْبُتُ نِكَاحُ الْأُولَى وَكَذَلِكَ الْخَالَةُ وَسَوَاءٌ دَخَلَ بِالْأُولَى مِنْهُمَا دُونَ الْآخِرَةِ أَوْ بِالْآخِرَةِ دُونَ الْأُولَى أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَهَكَذَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِالْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَالرِّضَاعِ، وَمِلْكُ الْيَمِينِ فِي الْوَطْءِ وَالنِّكَاحِ سَوَاءٌ وَمَا لَمْ يَكُنْ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُخْتَيْنِ أَوْ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا فَنَكَحَ اثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي عُقْدَةٍ فَالْعُقْدَةُ مُنْفَسِخَةٌ كُلُّهَا، وَإِذَا نَكَحَ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْأُخْرَى فَنِكَاحُ الْأُولَى ثَابِتٌ وَنِكَاحُ الْآخِرَةِ مَفْسُوخٌ وَلاَ يَصْنَعُ الدُّخُولُ شَيْئًا إنَّمَا يَصْنَعُهُ الْعُقْدَةُ، وَمَا نَهَى اللَّهُ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُ مِنْ الْأَخَوَاتِ وَمَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ فَفِيهِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَحِلُّ بَعْدَ الْأُخْرَى فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَنْكِحَ الْأُخْتَ فَإِذَا مَاتَتْ أَوْ طَلَّقَهَا طَلاَقًا يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَوْ طَلاَقًا لاَ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا أَنْ يَنْكِحَ الْأُخْرَى وَهَكَذَا الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ وَكُلُّ مَا نُهِيَ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُ‏.‏

نِكَاحُ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَتَحْرِيمُ إمَائِهِمْ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ‏}‏ إلَى ‏{‏وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مُهَاجِرَةٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَسَمَّاهَا بَعْضُهُمْ ابْنَةَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَأَهْلُ مَكَّةَ أَهْلُ أَوْثَانٍ وَأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ‏}‏ نَزَلَتْ فِيمَنْ هَاجَرَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مُؤْمِنًا وَإِنَّمَا نَزَلَتْ فِي الْهُدْنَةِ وَقَالَ‏:‏ قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ‏}‏ وَقَدْ قِيلَ فِي هَذِهِ الآيَةِ إنَّهَا نَزَلَتْ فِي جَمَاعَةِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الْأَوْثَانِ فَحَرَّمَ نِكَاحَ نِسَائِهِمْ كَمَا حَرَّمَ أَنْ تَنْكِحَ رِجَالُهُمْ الْمُؤْمِنَاتِ قَالَ فَإِنْ كَانَ هَذَا هَكَذَا فَهَذِهِ الْآيَاتُ ثَابِتَةٌ لَيْسَ فِيهَا مَنْسُوخٌ قَالَ وَقَدْ قِيلَ هَذِهِ الْآيَةُ فِي جَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ نَزَلَتْ الرُّخْصَةُ بَعْدَهَا فِي إحْلاَلِ نِكَاحِ حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ خَاصَّةً كَمَا جَاءَتْ فِي إحْلاَلِ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أُجُورَهُنَّ‏}‏‏.‏

وَقَالَ فَأَيُّهُمَا كَانَ فَقَدْ أُبِيحَ فِيهِ نِكَاحُ حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ‏.‏ وَفِي إبَاحَةِ اللَّهِ تَعَالَى نِكَاحَ حَرَائِرِهِمْ دَلاَلَةٌ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ عَلَى تَحْرِيمِ إمَائِهِمْ لِأَنَّ مَعْلُومًا فِي اللِّسَانِ إذَا قَصَدَ قَصْدَ صِفَةٍ مِنْ شَيْءٍ بِإِبَاحَةٍ أَوْ تَحْرِيمٍ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلاً عَلَى أَنَّ مَا قَدْ خَرَجَ مِنْ تِلْكَ الصِّفَةِ مُخَالِفٌ لِلْمَقْصُودِ قَصْدُهُ كَمَا «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ» فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى إبَاحَةِ غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَنْيَابِ مِنْ السِّبَاعِ وَإِنْ كَانَتْ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي تَحْرِيمِ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَفِي مُشْرِكِي أَهْلِ الْأَوْثَانِ فَالْمُسْلِمَاتُ مُحَرَّمَاتٌ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْهُمْ بِالْقُرْآنِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَعَلَى مُشْرِكِي أَهْلِ الْكِتَابِ لِقَطْعِ الْوِلاَيَةِ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَمَا لَمْ يَخْتَلِفْ النَّاسُ فِيهِ عَلِمْته قَالَ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الْحَرَائِرُ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ‏}‏ وَفِي إبَاحَةِ اللَّهِ الْإِمَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ عَلَى مَا شَرَطَ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ طَوْلاً وَخَافَ الْعَنَتَ دَلاَلَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ إمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ‏.‏

وَعَلَى أَنَّ الْإِمَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ لاَ يَحْلِلْنَ إلَّا لِمَنْ جَمَعَ الْأَمْرَيْنِ مَعَ إيمَانِهِنَّ لِأَنَّ كُلَّ مَا أَبَاحَ بِشَرْطٍ لَمْ يَحْلِلْ إلَّا بِذَلِكَ الشَّرْطِ كَمَا أَبَاحَ التَّيَمُّمَ فِي السَّفَرِ وَالْإِعْوَازِ فِي الْمَاءِ فَلَمْ يَحْلِلْ إلَّا بِأَنْ يَجْمَعَهُمَا الْمُتَيَمِّمُ وَلَيْسَ إمَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ مُؤْمِنَاتٍ فَيَحْلِلْنَ بِمَا حَلَّ بِهِ الْإِمَاءُ الْمُؤْمِنَاتُ مِنْ الشَّرْطَيْنِ مَعَ الْإِيمَانِ‏.‏

تَفْرِيعٌ تَحْرِيمُ الْمُسْلِمَاتِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ فَإِذَا أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ وُلِدَتْ عَلَى الْإِسْلاَمِ أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ أَبَوَيْهَا وَهِيَ صَبِيَّةٌ لَمْ تَبْلُغْ حَرُمَ عَلَى كُلِّ مُشْرِكٍ كِتَابِيٍّ وَوَثَنِيٍّ نِكَاحُهَا بِكُلِّ حَالٍ، وَلَوْ كَانَ أَبَوَاهَا مُشْرِكَيْنِ فَوَصَفَتْ الْإِسْلاَمَ وَهِيَ تَعْقِلُ صِفَتَهُ مَنَعْتُهَا مِنْ أَنْ يَنْكِحَهَا مُشْرِكٌ فَإِنْ وَصَفَتْهُ وَهِيَ لاَ تَعْقِلُ صِفَتَهُ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ أَنْ يُمْنَعَ أَنْ يَنْكِحَهَا مُشْرِكٌ وَلاَ يَبِينُ لِي فَسْخُ نِكَاحِهَا وَلَوْ نَكَحَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

باب نِكَاحِ حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَيَحِلُّ نِكَاحُ حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّهُنَّ بِغَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ لَمْ يَنْكِحْهُنَّ مُسْلِمٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ نِكَاحِ الْمُسْلِمِ الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ فَقَالَ تَزَوَّجْنَاهُنَّ زَمَانَ الْفَتْحِ بِالْكُوفَةِ مَعَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَنَحْنُ لاَ نَكَادُ نَجِدُ الْمُسْلِمَاتِ كَثِيرًا فَلَمَّا رَجَعْنَا طَلَّقْنَاهُنَّ وَقَالَ فَقَالَ لاَ يَرِثْنَ مُسْلِمًا وَلاَ يَرِثُونَهُنَّ وَنِسَاؤُهُنَّ لَنَا حِلٌّ وَنِسَاؤُنَا حَرَامٌ عَلَيْهِمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَهْلُ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَحِلُّ نِكَاحُ حَرَائِرِهِمْ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى دُونَ الْمَجُوسِ قَالَ وَالصَّابِئُونَ وَالسَّامِرَةُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ يَحِلُّ نِسَاؤُهُمْ وَذَبَائِحُهُمْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُمْ يُخَالِفُونَهُمْ فِي أَصْلِ مَا يُحِلُّونَ مِنْ الْكِتَابِ وَيُحَرِّمُونَ فَيَحْرُمُ نِكَاحُ نِسَائِهِمْ كَمَا يَحْرُمُ نِكَاحُ الْمَجُوسِيَّاتِ وَإِنْ كَانُوا يُجَامِعُونَهُمْ عَلَى أَصْلِ الْكِتَابِ وَيَتَأَوَّلُونَ فَيَخْتَلِفُونَ فَلاَ يُحَرِّمُ ذَلِكَ نِسَاءَهُمْ وَهُمْ مِنْهُمْ يَحِلُّ نِسَاؤُهُمْ بِمَا يَحِلُّ بِهِ نِسَاءُ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يَلْزَمْهُ اسْمُ صَابِئٍ وَلاَ سَامِرِيٍّ قَالَ وَلاَ يَحِلُّ نِكَاحُ حَرَائِرَ مَنْ دَانَ مِنْ الْعَرَبِ دِينَ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ لِأَنَّ أَصْلَ دِينِهِمْ كَانَ الْحَنِيفِيَّةَ ثُمَّ ضَلُّوا بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَإِنَّمَا انْتَقَلُوا إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْدَهُ لاَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا الَّذِينَ دَانُوا بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ فَضَلُّوا عَنْهَا وَأَحْدَثُوا فِيهَا إنَّمَا ضَلُّوا عَنْ الْحَنِيفِيَّةِ وَلَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ لاَ تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ وَكَذَلِكَ كُلُّ أَعْجَمِيٍّ كَانَ أَصْلُ دِينِ مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِهِ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ فَدَانَ دِينَهُمْ لَمْ يَحِلَّ نِكَاحُ نِسَائِهِمْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ فِي هَذَا مِنْ أَمْرٍ مُتَقَدِّمٍ‏؟‏ قِيلَ نَعَمْ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ عِيسَى الرَّقَاشِيُّ قَالَ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى عَدِيٍّ أَنْ يَسْأَلَ الْحَسَنَ لِمَ أَقَرَّ الْمُسْلِمُونَ بُيُوتَ النِّيرَانِ وَعِبَادَةَ الْأَوْثَانِ وَنِكَاحَ الْأُمَّهَاتِ وَالْأَخَوَاتِ‏؟‏ فَسَأَلَهُ فَقَالَ الْحَسَنُ لِأَنَّ الْعَلاَءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ لَمَّا قَدِمَ الْبَحْرَيْنِ أَقَرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَهَذَا مَا لاَ أَعْلَمُ فِيهِ خِلاَفًا بَيْنَ أَحَدٍ لَقِيتُهُ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعْدٍ الْحَارِثِيِّ مَوْلَى عُمَرَ أَوْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ مَا نَصَارَى الْعَرَبِ بِأَهْلِ كِتَابٍ وَمَا يَحِلُّ لَنَا ذَبَائِحُهُمْ وَمَا أَنَا بِتَارِكِهِمْ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ أَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ أَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ سَأَلْت عُبَيْدَةَ عَنْ ذَبَائِحِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ فَقَالَ لاَ تَأْكُلْ ذَبَائِحَهُمْ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَتَمَسَّكُوا مِنْ نَصْرَانِيَّتِهِمْ إلَّا بِشُرْبِ الْخَمْرِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَكَذَا أَحْفَظُهُ وَلاَ أَحْسَبُهُ وَغَيْرَهُ إلَّا وَقَدْ بَلَغَ بِهِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله تعالى عنه بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ قَالَ عَطَاءٌ‏:‏ لَيْسَ نَصَارَى الْعَرَبِ بِأَهْلِ كِتَابٍ إنَّمَا أَهْلُ الْكِتَابِ بَنُو إسْرَائِيلَ وَاَلَّذِينَ جَاءَتْهُمْ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ فَأَمَّا مَنْ دَخَلَ فِيهِمْ مِنْ النَّاسِ فَلَيْسُوا مِنْهُمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَتُنْكَحُ الْمُسْلِمَةُ عَلَى الْكِتَابِيَّةِ وَالْكِتَابِيَّةُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ وَتُنْكَحُ أَرْبَعُ كِتَابِيَّاتٍ كَمَا تُنْكَحُ أَرْبَعُ مُسْلِمَاتٍ وَالْكِتَابِيَّةُ فِي جَمِيعِ نِكَاحِهَا وَأَحْكَامِهَا الَّتِي تَحِلُّ بِهَا وَتَحْرُمُ كَالْمُسْلِمَةِ لاَ تُخَالِفُهَا فِي شَيْءٍ وَفِيمَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ لَهَا وَلاَ تُنْكَحُ الْكِتَابِيَّةُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ مُسْلِمَيْنِ وَبِوَلِيٍّ مِنْ أَهْلِ دِينِهَا كَوَلِيِّ الْمُسْلِمَةِ جَازَ فِي دِينِهِمْ غَيْرُ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَجُزْ وَلَسْتُ أَنْظُرُ فِيهِ إلَّا إلَى حُكْمِ الْإِسْلاَمِ وَلَوْ زُوِّجَتْ نِكَاحًا صَحِيحًا فِي الْإِسْلاَمِ وَهُوَ عِنْدَهُمْ نِكَاحٌ فَاسِدٌ كَانَ نِكَاحُهَا صَحِيحًا وَلاَ يُرَدُّ نِكَاحُ الْمُسْلِمَةِ مِنْ شَيْءٍ إلَّا رُدَّ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ مِنْ مِثْلِهِ وَلاَ يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُسْلِمَةِ بِشَيْءٍ إلَّا جَازَ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ بِمِثْلِهِ وَلاَ يَكُونُ وَلِيُّ الذِّمِّيَّةِ مُسْلِمًا وَإِنْ كَانَ أَبَاهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَطَعَ الْوِلاَيَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَتَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ وَوَلِيَ عُقْدَةَ نِكَاحِهَا ابْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَكَانَ مُسْلِمًا وَأَبُو سُفْيَانَ حَيٌّ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنْ لاَ وِلاَيَةَ بَيْنَ أَهْلِ الْقَرَابَةِ إذَا اخْتَلَفَ الدِّينَانِ وَإِنْ كَانَ أَبًا وَأَنَّ الْوِلاَيَةَ بِالْقَرَابَةِ وَاجْتِمَاعِ الدِّينَيْنِ قَالَ وَيَقْسِمُ لِلْكِتَابِيَّةِ مِثْلَ قِسْمَتِهِ لِلْمُسْلِمَةِ لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمَا وَلَهَا عَلَيْهِ مَا لِلْمُسْلِمَةِ وَلَهُ عَلَيْهَا مَا لَهُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ إلَّا أَنَّهُمَا لاَ يَتَوَارَثَانِ بِاخْتِلاَفِ الدِّينَيْنِ فَإِنْ طَلَّقَهَا أَوْ آلَى مِنْهَا أَوْ ظَاهَرَ أَوْ قَذَفَهَا لَزِمَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَا يَلْزَمُهُ فِي الْمُسْلِمَةِ إلَّا أَنَّهُ لاَ حَدَّ عَلَى مَنْ قَذَفَ كِتَابِيَّةً وَيُعَزَّرُ‏.‏

وَإِذَا طَلَّقَهَا فَلَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ فِي الْعِدَّةِ، وَعِدَّتُهَا عِدَّةُ الْمُسْلِمَةِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا فَنَكَحَتْ قَبْلَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ وَأُصِيبَتْ لَمْ تَحْلِلْ لَهُ وَإِنْ نَكَحَتْ نِكَاحًا صَحِيحًا بَعْدَ مُضِيّ الْعِدَّةِ ذِمِّيًّا فَأَصَابَهَا ثُمَّ طَلُقَتْ أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَكَمُلَتْ عِدَّتُهَا حَلَّتْ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ يُحِلُّهَا لِلزَّوْجِ كُلُّ زَوْجٍ أَصَابَهَا يَثْبُتُ نِكَاحُهُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَالْإِحْدَادُ كَمَا يَكُونُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ وَإِذَا مَاتَتْ فَإِنْ شَاءَ شَهِدَهَا وَغَسَّلَهَا وَدَخَلَ قَبْرَهَا وَلاَ يُصَلِّي عَلَيْهَا وَأَكْرَهُ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ لَوْ كَانَ هُوَ الْمَيِّتَ فَإِنْ غَسَّلَتْهُ أَجْزَأَ غُسْلُهَا إيَّاهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ وَلَهُ جَبْرُهَا عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضَةِ وَلاَ يَكُونُ لَهُ إصَابَتُهَا إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ حَتَّى تَغْتَسِلَ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏حَتَّى يَطْهُرْنَ‏}‏ فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ حَتَّى تَرَى الطُّهْرَ قَالَ‏:‏ ‏{‏فَإِذَا تَطَهَّرْنَ‏}‏ يَعْنِي بِالْمَاءِ إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي سَفَرٍ لاَ تَجِدُ الْمَاءَ فَتَتَيَمَّمُ فَإِذَا صَارَتْ مِمَّنْ تَحِلُّ لَهَا الصَّلاَةُ بِالطُّهْرِ حَلَّتْ لَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَهُ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يُجْبِرَهَا عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَعَلَى النَّظَافَةِ بِالِاسْتِحْدَادِ وَأَخْذِ الْأَظْفَارِ وَالتَّنَظُّفِ بِالْمَاءِ مِنْ غَيْرِ جَنَابَةٍ مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَهِيَ مَرِيضَةٌ يَضُرُّ بِهَا الْمَاءُ أَوْ فِي بَرْدٍ شَدِيدٍ يَضُرُّ بِهَا الْمَاءُ وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ الْكَنِيسَةِ وَالْخُرُوجِ إلَى الْأَعْيَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تُرِيدُ الْخُرُوجَ إلَيْهِ إذَا كَانَ لَهُ مَنْعُ الْمُسْلِمَةِ إتْيَانَ الْمَسْجِدِ وَهُوَ حَقٌّ كَانَ لَهُ فِي النَّصْرَانِيَّةِ مَنْعُ إتْيَانِ الْكَنِيسَةِ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ وَلَهُ مَنْعُهَا شُرْبَ الْخَمْرِ لِأَنَّهُ يُذْهِبُ عَقْلَهَا وَمَنْعُهَا أَكْلَ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ إذَا كَانَ يَتَقَذَّرُ بِهِ وَمَنْعُهَا أَكْلَ مَا حَلَّ إذَا تَأَذَّى بِرِيحِهِ مِنْ ثُومٍ وَبَصَلٍ إذَا لَمْ تَكُنْ بِهَا ضَرُورَةٌ إلَى أَكْلِهِ وَإِنْ قُدِّرَ ذَلِكَ مِنْ حَلاَلٍ لاَ يُوجَدُ رِيحُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهَا إيَّاهُ وَكَذَلِكَ لاَ يَكُونُ لَهُ مَنْعُهَا لُبْسَ مَا شَاءَتْ مِنْ الثِّيَابِ مَا لَمْ تَلْبَسْ جِلْدَ مَيْتَةٍ أَوْ ثَوْبًا مُنْتِنًا يُؤْذِيهِ رِيحُهُمَا فَيَمْنَعُهَا مِنْهُمَا‏.‏

قَالَ وَإِذَا نَكَحَ الْمُسْلِمُ الْكِتَابِيَّةَ فَارْتَدَّتْ إلَى مَجُوسِيَّةٍ أَوْ دِينٍ غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنْ رَجَعَتْ إلَى الْإِسْلاَمِ أَوْ إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ وَإِنْ لَمْ تَرْجِعْ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ فَقَدْ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ وَلاَ نَفَقَةَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ لَهُ نَفْسَهَا بِالرِّدَّةِ‏.‏

قَالَ وَلاَ يُقْتَلُ بِالرِّدَّةِ مَنْ انْتَقَلَ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ إنَّمَا يُقْتَلُ مَنْ خَرَجَ مِنْ دِينِ الْإِسْلاَمِ إلَى الشِّرْكِ فَأَمَّا مَنْ خَرَجَ مِنْ بَاطِلٍ إلَى بَاطِلٍ فَلاَ يُقْتَلُ وَيُنْفَى مِنْ بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ أَوْ يَعُودَ إلَى أَحَدِ الْأَدْيَانِ الَّتِي يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِهَا الْجِزْيَةُ يَهُودِيَّةٍ أَوْ نَصْرَانِيَّةٍ أَوْ مَجُوسِيَّةٍ فَيُقَرُّ فِي بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ‏.‏ قَالَ وَلَوْ ارْتَدَّتْ مِنْ يَهُودِيَّةٍ إلَى نَصْرَانِيَّةٍ أَوْ نَصْرَانِيَّةٍ إلَى يَهُودِيَّةٍ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ نِكَاحَهَا لَوْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ الَّذِي خَرَجَتْ إلَيْهِ قَالَ الرَّبِيعُ الَّذِي أَحْفَظُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ نَصْرَانِيًّا فَخَرَجَ إلَى دِينِ الْيَهُودِيَّةِ أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ لَيْسَ لَكَ أَنْ تُحْدِثَ دِينًا لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ فَإِنْ أَسْلَمْتَ أَوْ رَجَعْت إلَى دِينِك الَّذِي كُنَّا نَأْخُذُ مِنْكَ عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ تَرَكْنَاكَ وَإِلَّا أَخْرَجْنَاكَ مِنْ بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ وَنَبَذْنَا إلَيْكَ وَمَتَى قَدَرْنَا عَلَيْكَ قَتَلْنَاكَ وَهَذَا الْقَوْلُ أَحَبُّ إلَى الرَّبِيعِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ يَجُوزُ نِكَاحُ أَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ لِمُسْلِمٍ عَبْدٍ وَلاَ حُرٍّ بِحَالٍ لِمَا وَصَفْت مِنْ نَصِّ الْقُرْآنِ وَدَلاَلَتِهِ قَالَ وَأَيُّ صِنْفٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ حَلَّ نِكَاحُ حَرَائِرِهِمْ حَلَّ وَطْءُ إمَائِهِمْ بِالْمِلْكِ وَأَيُّ صِنْفٍ حَرُمَ نِكَاحُ حَرَائِرِهِمْ حَرُمَ وَطْءُ إمَائِهِمْ بِالْمِلْكِ وَيَحِلُّ وَطْءُ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ بِالْمِلْكِ كَمَا تَحِلُّ حَرَائِرُهُمْ بِالنِّكَاحِ وَلاَ يَحِلُّ وَطْءُ أَمَةٍ مُشْرِكَةٍ غَيْرِ كِتَابِيَّةٍ بِالْمِلْكِ كَمَا لاَ يَحِلُّ نِكَاحُ نِسَائِهِمْ وَلَوْ كَانَ أَصْلُ نَسَبِ أَمَةٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ ثُمَّ دَانَتْ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمْ يَحِلَّ وَطْؤُهَا كَمَا لاَ يَحِلُّ نِكَاحُ الْحَرَائِرِ مِنْهُمْ وَلاَ يَحِلُّ نِكَاحُ أَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ لِمُسْلِمٍ بِحَالٍ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي مَعْنَى مَنْ حَرُمَ مِنْ الْمُشْرِكَاتِ وَغَيْرُ حَلاَلٍ مَنْصُوصَةٌ بِالْإِحْلاَلِ كَمَا نَصَّ حَرَائِرَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي النِّكَاحِ وَأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إنَّمَا أَحَلَّ نِكَاحَ إمَاءِ أَهْلِ الْإِسْلاَمِ بِمَعْنَيَيْنِ سَوَاءٌ أَنْ لاَ يَجِدَ النَّاكِحُ طَوْلاً لِحُرَّةٍ وَيَخَافَ الْعَنَتَ وَالشَّرْطَانِ فِي إمَاءِ الْمُسْلِمِينَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نِكَاحَهُنَّ أُحِلَّ بِمَعْنًى دُونَ مَعْنًى وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ مَنْ خَالَفَهُنَّ مِنْ إمَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لِأَنَّ الْإِسْلاَمَ شَرْطٌ ثَالِثٌ وَالْأَمَةَ الْمُشْرِكَةَ خَارِجَةٌ مِنْهُ فَلَوْ نَكَحَ رَجُلٌ أَمَةً كِتَابِيَّةً كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا يُفْسَخُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْوَطْءِ وَبَعْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ فَلاَ صَدَاقَ لَهَا وَإِنْ كَانَ وَطِئَ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَيَلْحَقُ الْوَلَدُ بِالنَّاكِحِ وَهُوَ مُسْلِمٌ وَيُبَاعُ عَلَى مَالِكِهِ إنْ كَانَ كِتَابِيًّا وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا لَمْ يُبَعْ عَلَيْهِ‏.‏

وَلَوْ وَطِئَ أَمَةً غَيْرَ كِتَابِيَّةٍ مُنِعَ أَنْ يَعُودَ لَهَا حَبِلَتْ أَوْ لَمْ تَحْبَلْ وَإِنْ حَبِلَتْ فَوَلَدَتْ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَلاَ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا لِدِينِهَا كَمَا يَكُونُ أَمَةٌ لَهُ وَلاَ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا لِدِينِهَا فَإِذَا مَاتَ عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ وَيَسْتَخْدِمَهَا فِيمَا تُطِيقُ كَمَا يَسْتَخْدِمُ أَمَةً غَيْرَهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَهَا أُخْتٌ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ حَلَّ لَهُ نِكَاحُهَا وَهَكَذَا إنْ كَانَتْ لَهَا أُخْتٌ لِأُمِّهَا حُرَّةً كِتَابِيَّةً أَبُوهَا كِتَابِيٌّ فَاشْتَرَاهَا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا جَمْعًا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ لِأَنَّ وَطْءَ الْأُولَى الَّتِي هِيَ غَيْرُ كِتَابِيَّةٍ غَيْرُ جَائِزٍ لَهُ وَإِنَّمَا الْجَمْعُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ مَنْ يَحِلُّ وَطْؤُهُ عَلَى الِانْفِرَادِ‏.‏

وَإِنْ كَانَتْ لَهَا أُخْتٌ مِنْ أَبِيهَا تَدِينُ بِدِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ بِالْمِلْكِ لِأَنَّ نَسَبَهَا إلَى أَبِيهَا وَأَبُوهَا غَيْرُ كِتَابِيٍّ إنَّمَا أَنْظُرُ فِيمَا يَحِلُّ مِنْ الْمُشْرِكَاتِ إلَى نَسَبِ الْأَبِ وَلَيْسَ هَذَا كَالْمَرْأَةِ يُسْلِمُ أَحَدُ أَبَوَيْهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ لِأَنَّ الْإِسْلاَمَ لاَ يُشْرِكُهُ شِرْكٌ وَالشِّرْكُ يُشْرِكُ الشِّرْكَ، وَالنَّسَبُ إلَى الْأَبِ وَكَذَلِكَ الدِّينُ لَهُ مَا لَمْ تَبْلُغْ الْجَارِيَةُ وَلَوْ أَنَّ أُخْتَهَا بَلَغَتْ وَدَانَتْ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَأَبُوهَا وَثَنِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ لَمْ يَحِلَّ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ كَمَا لاَ يَحِلُّ وَطْءُ وَثَنِيَّةٍ انْتَقَلَتْ إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّ أَصْلَ دِينِهَا غَيْرُ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ‏.‏

وَلَوْ نَكَحَ أَمَةً كِتَابِيَّةً وَلَهَا أُخْتٌ حُرَّةٌ كِتَابِيَّةٌ أَوْ مُسْلِمَةٌ ثُمَّ نَكَحَ أُخْتَهَا الْحُرَّةَ قَبْلَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ كَانَ نِكَاحُ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ أَوْ الْكِتَابِيَّةِ جَائِزًا لِأَنَّهُ حَلاَلٌ لاَ يُفْسِدُهُ الْأَمَةُ الْكِتَابِيَّةُ الَّتِي هِيَ أُخْتُ الْمَنْكُوحَةِ بَعْدَهَا لِأَنَّ نِكَاحَ الْأُولَى غَيْرُ نِكَاحِ وَلَوْ وَطِئَهَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي نِكَاحٍ مَفْسُوخٍ حُكْمُهُ أَنَّهُ لاَ يُحَرِّمُ شَيْئًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَلاَ مِلْكَ يَمِينٍ فَيَحْرُمَ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أُخْتِهَا‏.‏

قَالَ وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا مُسْلِمَةٌ فَإِذَا هِيَ كَافِرَةٌ يُفْسَخُ نِكَاحُهَا وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا كِتَابِيَّةٌ فَإِذَا هِيَ مُسْلِمَةٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَسْخُ النِّكَاحِ لِأَنَّهَا خَيْرٌ مِنْ كِتَابِيَّةٍ وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يُخْبَرْ أَنَّهَا مُسْلِمَةٌ وَلاَ كِتَابِيَّةٌ فَإِذَا هِيَ كِتَابِيَّةٌ وَقَالَ إنَّمَا نَكَحْتُهَا عَلَى أَنَّهَا مُسْلِمَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَهُ الْخِيَارُ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ مَا نَكَحَهَا وَهُوَ يَعْلَمُهَا كِتَابِيَّةً‏.‏

مَا جَاءَ فِي مَنْعِ إمَاءِ الْمُسْلِمِينَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ‏}‏ الْآيَةُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَفِي هَذِهِ الآيَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذَا الْأَحْرَارُ دُونَ الْمَمَالِيكِ فَأَمَّا الْمَمْلُوكُ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَنْكِحَ الْأَمَةَ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِدٍ طَوْلاً لِحُرَّةٍ وَلاَ أَمَةٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا عَلَى الْأَحْرَارِ وَلَهُمْ دُونَ الْمَمَالِيكِ‏؟‏ قِيلَ الْوَاجِدُونَ لِلطَّوْلِ الْمَالِكُونَ لِلْمَالِ وَالْمَمْلُوكُ لاَ يَمْلِكُ مَالاً بِحَالٍ وَيُشْبِهُ أَنْ لاَ يُخَاطَبَ بِأَنْ يُقَالَ إنْ لَمْ يَجِدْ مَالاً مَنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ مَالاً بِحَالٍ إنَّمَا يُمْلَكُ أَبَدًا لِغَيْرِهِ‏.‏

قَالَ وَلاَ يَحِلُّ نِكَاحُ الْأَمَةِ إلَّا كَمَا وَصَفْت فِي أَصْلِ نِكَاحِهِنَّ إلَّا بِأَنْ لاَ يَجِدَ الرَّجُلُ الْحُرُّ بِصَدَاقِ أَمَةٍ طَوْلاً لِحُرَّةٍ وَبِأَنْ يَخَافَ الْعَنَتَ وَالْعَنَتُ الزِّنَا فَإِذَا اجْتَمَعَ أَنْ لاَ يَجِدَ طَوْلاً لِحُرَّةٍ وَأَنْ يَخَافَ الزِّنَا حَلَّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ وَإِنْ انْفَرَدَ فِيهِ أَحَدُهُمَا لَمْ يَحْلِلْ لَهُ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لاَ يَجِدُ طَوْلاً لِحُرَّةٍ وَهُوَ لاَ يَخَافُ الْعَنَتَ أَوْ يَخَافُ الْعَنَتَ وَهُوَ يَجِدُ طَوْلاً لِحُرَّةٍ إنَّمَا رُخِّصَ لَهُ فِي خَوْفِ الْعَنَتِ عَلَى الضَّرُورَةِ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَشِقَ امْرَأَةً وَثَنِيَّةً يَخَافُ أَنْ يَزْنِيَ بِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا‏؟‏ وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَعَشِقَ خَامِسَةً لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُهَا إذَا تَمَّ الْأَرْبَعُ عِنْدَهُ أَوْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ فَعَشِقَ أُخْتَهَا لَمْ يَحْلِلْ لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا مَا كَانَتْ عِنْدَهُ أُخْتُهَا وَكَذَلِكَ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ مِنْ النِّكَاحِ مِنْ أَيِّ الْوُجُوهِ حَرُمَ لَمْ أُرَخِّصْ لَهُ فِي نِكَاحِ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ خَوْفَ الْعَنَتِ لِأَنَّهُ لاَ ضَرُورَةَ عَلَيْهِ يَحِلُّ لَهُ بِهَا النِّكَاحُ وَلاَ ضَرُورَةَ فِي مَوْضِعِ لَذَّةٍ يَحِلُّ بِهَا الْمُحَرَّمُ إنَّمَا الضَّرُورَةُ فِي الْأَبَدَانِ الَّتِي تَحْيَا مِنْ الْمَوْتِ وَتُمْنَعُ مِنْ أَلَمِ الْعَذَابِ عَلَيْهَا وَأَمَّا اللَّذَّاتُ فَلاَ يُعْطَاهَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَا تَحِلُّ بِهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ قَالَ هَذَا غَيْرُكَ‏؟‏ قِيلَ الْكِتَابُ كَافٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ مِنْ قَوْلِ غَيْرِي وَقَدْ قَالَهُ غَيْرِي أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ مَنْ وَجَدَ صَدَاقَ حُرَّةٍ فَلاَ يَنْكِحُ أَمَةً أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لاَ يَحِلُّ نِكَاحُ الْحُرِّ الْأَمَةَ وَهُوَ يَجِدُ بِصَدَاقِهَا حُرَّةً قُلْت يَخَافُ الزِّنَا قَالَ مَا عَلِمْته يَحِلُّ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ سَأَلَ عَطَاءٌ أَبَا الشَّعْثَاءِ وَأَنَا أَسْمَعُ عَنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ مَا تَقُولُ فِيهِ‏؟‏ أَجَائِزٌ هُوَ‏؟‏ فَقَالَ لاَ يَصْلُحُ الْيَوْمَ نِكَاحُ الْإِمَاءِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالطَّوْلُ هُوَ الصَّدَاقُ وَلَسْت أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ يَجِدُ مَا يَحِلُّ لَهُ بِهِ أَمَةٌ إلَّا وَهُوَ يَجِدُ بِهِ حُرَّةً فَإِنْ كَانَ هَذَا هَكَذَا لَمْ يَحِلَّ نِكَاحُ الْأَمَةِ لِحُرٍّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا هَكَذَا فَجَمَعَ رَجُلٌ حُرٌّ الْأَمْرَيْنِ حَلَّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ وَإِذَا مَلَكَ الرَّجُلُ عُقْدَةَ الْأَمَةِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ ثُمَّ أَيْسَرَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ فَسَوَاءٌ وَالِاخْتِيَارُ لَهُ فِي فِرَاقِهَا وَلاَ يَلْزَمُهُ فِرَاقُهَا بِحَالٍ أَبَدًا بَلَغَ يُسْرُهُ مَا شَاءَ أَنْ يَبْلُغَ لِأَنَّ أَصْلَ الْعَقْدِ كَانَ صَحِيحًا يَوْمَ وَقَعَ فَلاَ يَحْرُمُ بِحَادِثٍ بَعْدَهُ وَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ أَمَةً عَلَى أَمَةٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَةٌ فَهُوَ فِي غَيْرِ مَعْنَى ضَرُورَةٍ وَكَذَلِكَ لاَ يَنْكِحُ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ فَإِنْ نَكَحَ أَمَةً عَلَى أَمَةٍ أَوْ حُرَّةً فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ‏.‏

قَالَ وَلَوْ ابْتَدَأَ نِكَاحَ أَمَتَيْنِ مَعًا كَانَ نِكَاحُهُمَا مَفْسُوخًا بِلاَ طَلاَقٍ وَيَبْتَدِئُ نِكَاحَ أَيَّتِهِمَا شَاءَ إذَا كَانَ مِمَّنْ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ كَمَا يَكُونُ هَكَذَا فِي الْأُخْتَيْنِ يَعْقِدُ عَلَيْهِمَا مَعًا وَالْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَإِنْ نَكَحَ الْأَمَةَ فِي الْحَالِ الَّتِي قُلْت لاَ يَجُوزُ لَهُ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَلاَ صَدَاقَ لَهَا إلَّا بِأَنْ يُصِيبَهَا فَيَكُونَ لَهَا الصَّدَاقُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا وَلاَ تُحِلُّهَا إصَابَتُهُ إذَا كَانَ نِكَاحُهُ فَاسِدًا لِزَوْجٍ غَيْرِهِ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا وَلَوْ نَكَحَهَا وَهُوَ يَجِدُ طَوْلاً فَلَمْ يُفْسَخْ نِكَاحُهَا حَتَّى لاَ يَجِدَهُ فُسِخَ نِكَاحُهَا لِأَنَّ أَصْلَهُ كَانَ فَاسِدًا وَيَبْتَدِئُ نِكَاحَهَا إنْ شَاءَ وَلَوْ نَكَحَهَا وَلاَ زَوْجَةَ لَهُ فَقَالَ نَكَحْتُهَا وَلاَ أَجِدُ طَوْلاً لِحُرَّةٍ فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْ لَمْ تَلِدْ إذَا قَالَ نَكَحْتهَا وَلاَ أَجِدُ طَوْلاً لِحُرَّةٍ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلَوْ وُجِدَ مُوسِرًا لِأَنَّهُ قَدْ يُعْسِرُ ثُمَّ يُوسِرُ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ حِينَ عَقَدَ عُقْدَةَ نِكَاحِهَا كَانَ وَاجِدًا لاََنْ يَنْكِحَ حُرَّةً فَيُفْسَخُ نِكَاحُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ وَإِنْ نَكَحَ أَمَةً ثُمَّ قَالَ نَكَحْتهَا وَأَنَا أَجِدُ طَوْلاً لِحُرَّةٍ أَوْ لاَ أَخَافُ الْعَنَتَ‏.‏

فَإِنْ صَدَّقَهُ مَوْلاَهَا فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَلاَ مَهْرَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَصَابَهَا فَإِنْ أَصَابَهَا فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا، وَإِنْ كَذَّبَهُ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ بِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ كَانَ مَفْسُوخًا وَلاَ يُصَدَّقُ عَلَى الْمَهْرِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ مَا سَمَّى لَهَا وَإِنْ رَاجَعَهَا بَعْدُ جَعَلْتهَا فِي الْحُكْمِ تَطْلِيقَةً وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ فَسْخًا بِلاَ طَلاَقٍ وَقَدْ قَالَ غَيْرُنَا يُصَدَّقُ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يُصِبْهَا‏.‏

قَالَ وَإِنْ نَكَحَ أَمَةً نِكَاحًا صَحِيحًا ثُمَّ أَيْسَرَ فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ عَلَيْهَا حُرَّةً وَحَرَائِرَ حَتَّى يُكْمِلَ أَرْبَعًا وَلاَ يَكُونُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ وَلاَ الْحَرَائِرِ عَلَيْهَا طَلاَقًا لَهَا وَلاَ لَهُنَّ، وَلاَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ خِيَارٌ، كُنَّ عَلِمْنَ أَنَّ تَحْتَهُ أَمَةً أَوْ لَمْ يَعْلَمْنَ، لِأَنَّ عَقْدَ نِكَاحِهَا كَانَ حَلاَلاً فَلَمْ يَحْرُمْ بِأَنْ يُوسِرَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَقَدْ تَحْرُمُ الْمَيْتَةُ وَتُحِلُّهَا الضَّرُورَةُ فَإِذَا وَجَدَ صَاحِبُهَا عَنْهَا غِنًى حَرَّمْتهَا عَلَيْهِ قِيلَ إنَّ الْمَيْتَةَ مُحَرَّمَةٌ بِكُلِّ حَالٍ وَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ بِكُلِّ وَجْهٍ مَالِكِهَا وَغَيْرِ مَالِكِهَا، وَغَيْرُ حَلاَلِ الثَّمَنِ إلَّا أَنَّ أَكْلَهَا يَحِلُّ فِي الضَّرُورَةِ وَالْأَمَةُ حَلاَلٌ بِالْمِلْكِ وَحَلاَلٌ بِنِكَاحِ الْعَبْدِ وَحَلاَلُ النِّكَاحِ لِلْحُرِّ بِمَعْنًى دُونَ مَعْنًى وَلاَ تُشْبِهُ الْمَيْتَةَ الْمُحَرَّمَةَ بِكُلِّ حَالٍ إلَّا فِي حَالِ الْمَوْتِ وَلاَ يُشْبِهُ الْمَأْكُولُ الْجِمَاعَ وَكُلُّ الْفُرُوجِ مَمْنُوعَةٌ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ بِكُلِّ حَالٍ إلَّا بِمَا أُحِلَّ بِهِ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ فَإِذَا حَلَّ لَمْ يَحْرُمْ إلَّا بِإِحْدَاثِ شَيْءٍ يَحْرُمُ بِهِ لَيْسَ الْغِنَى مِنْهُ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْجُ حَلاَلاً فِي حَالٍ حَرَامًا بَعْدَهُ بِيَسِيرٍ وَإِنَّمَا حَرَّمْنَا نِكَاحَ الْمُتْعَةِ مَعَ الِاتِّبَاعِ لِئَلَّا يَكُونَ الْفَرْجُ حَلاَلاً فِي حَالٍ حَرَامًا فِي آخَرَ‏.‏

الْفَرْجُ لاَ يَحِلُّ إلَّا بِأَنْ يَحِلَّ عَلَى الْأَبَدِ مَا لَمْ يَحْدُثْ فِيهِ شَيْءٌ يُحَرِّمُهُ لَيْسَ الْغِنَى عَنْهُ مِمَّا يُحَرِّمُهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَالتَّيَمُّمُ يَحِلُّ فِي حَالِ الْإِعْوَازِ وَالسَّفَرِ فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ بِالتَّيَمُّمِ بَطَلَ التَّيَمُّمُ‏؟‏ قُلْت التَّيَمُّمُ لَيْسَ بِالْفَرْضِ الْمُؤَدِّي فَرْضَ الصَّلاَةِ وَالصَّلاَةُ لاَ تُؤَدَّى إلَّا بِنَفْسِهَا وَعَلَى الْمُصَلِّي أَنْ يُصَلِّيَ بِطَهُورِ مَاءٍ وَإِذَا لَمْ يَجِدْهُ تَيَمَّمَ وَصَلَّى فَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ وَقَبْلَ الصَّلاَةِ تَوَضَّأَ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْفَرْضِ وَلَمْ يُؤَدِّهِ، وَإِذَا صَلَّى أَوْ دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ لَمْ تُنْقَضْ صَلاَتُهُ وَلَمْ يُعِدْ لَهَا وَتَوَضَّأَ لِصَلاَةٍ بَعْدَهَا وَهَكَذَا النَّاكِحُ الْأَمَةِ لَوْ أَرَادَ نِكَاحَهَا وَأُجِيبَ إلَيْهِ وَجَلَسَ لَهُ فَلَمْ يَنْكِحْهَا ثُمَّ أَيْسَرَ قَبْلَ أَنْ يَعْقِدَ نِكَاحَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِكَاحُهَا وَإِنْ عَقَدَ نِكَاحَهَا ثُمَّ أَيْسَرَ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ الْمُصَلِّي إذَا دَخَلَ بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ لَمْ تَحْرُمْ الصَّلاَةُ عَلَيْهِ بَلْ نِكَاحُ الْأَمَةِ فِي أَكْثَرَ مِنْ حَالِ الدَّاخِلِ فِي الصَّلاَةِ الدَّاخِلُ فِي الصَّلاَةِ لَمْ يُكْمِلْهَا وَالنَّاكِحُ الْأَمَةِ قَدْ أَكْمَلَ جَمِيعَ نِكَاحِهَا وَإِكْمَالُ نِكَاحِهَا يُحِلُّهَا لَهُ عَلَى الْأَبَدِ كَمَا وَصَفْت قَالَ وَيَقْسِمُ لِلْحُرَّةِ يَوْمَيْنِ وَلِلْأَمَةِ يَوْمًا وَكَذَلِكَ كُلُّ حُرَّةٍ مَعَهُ مُسْلِمَةٌ وَكِتَابِيَّةٌ يُوفِيهِنَّ الْقِسْمَ سَوَاءٌ عَلَى يَوْمَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ وَيَوْمًا لِلْأَمَةِ فَإِنْ شَاءَ جَعَلَ ذَلِكَ يَوْمَيْنِ يَوْمَيْنِ وَإِنْ شَاءَ يَوْمًا يَوْمًا ثُمَّ دَارَ عَلَى الْحَرَائِرِ يَوْمَيْنِ يَوْمَيْنِ ثُمَّ أَتَى الْأَمَةَ يَوْمًا فَإِنْ عَتَقَتْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَدَارَ إلَى الْحُرَّةِ أَوْ إلَى الْحَرَائِرِ قَسَمَ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَهَا يَوْمًا يَوْمًا بَدَأَ فِي ذَلِكَ بِالْأَمَةِ قَبْلَ الْحَرَائِرِ أَوْ بِالْحَرَائِرِ قَبْلَ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْسِمْ لَهُنَّ يَوْمَيْنِ يَوْمَيْنِ حَتَّى صَارَتْ الْأَمَةُ مِنْ الْحَرَائِرِ الَّتِي لَهَا مَا لَهُنَّ مَعًا وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ أَنْ يَقْسِمَ لِلْأَمَةِ مَا خَلَّى الْمَوْلَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فِي يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا فَإِذَا فَعَلَ فَعَلَيْهِ الْقَسْمُ لَهَا وَلِلْمَوْلَى إخْرَاجُهَا فِي غَيْرِ يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا وَإِنْ أَخْرَجَهَا الْمَوْلَى فِي يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا فَقَدْ أَبْطَلَ حَقَّهَا وَيَقْسِمُ لِغَيْرِهَا قَسْمَ مَنْ لاَ امْرَأَةَ عِنْدَهُ وَهَكَذَا الْحُرَّةُ تَخْرُجُ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا يَبْطُلُ حَقُّهَا فِي الْأَيَّامِ الَّتِي خَرَجَتْ فِيهَا وَكُلُّ زَوْجَةٍ لَمْ تَكْمُلْ فِيهَا الْحُرِّيَّةُ فَقَسْمُهَا قَسْمُ الْأَمَةِ وَذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ تُنْكَحُ وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهَا وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبَةِ الِامْتِنَاعُ مِنْ زَوْجِهَا فِي يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا وَلاَ لِزَوْجِهَا مَنْعُهَا لِلطَّلَبِ بِالْكِتَابَةِ‏.‏

وَلَوْ حَلَّلَتْ الْأَمَةُ زَوْجَهَا مِنْ يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا وَلَمْ يَحْلِلْهُ السَّيِّدُ حَلَّ لَهُ وَلَوْ حَلَّلَهُ السَّيِّدُ وَلَمْ تُحْلِلْهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهَا دُونَ السَّيِّدِ، وَلَوْ وَضَعَ السَّيِّدُ نَفَقَتَهَا عَنْهُ حَلَّ لَهُ لِأَنَّهُ مَالٌ لَهُ دُونَهَا وَعَلَى سَيِّدِهَا أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا إذَا وَضَعَ نَفَقَتَهَا عَنْ الزَّوْجِ وَلَوْ وَضَعَتْ هِيَ نَفَقَتَهَا عَنْ الزَّوْجِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ لِأَنَّهُ مَالُ السَّيِّدِ‏.‏

نِكَاحُ الْمُحْدِثِينَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏الزَّانِي لاَ يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً‏}‏ إلَى ‏{‏الْمُؤْمِنِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ فَقِيلَ نَزَلَتْ فِي بَغَايَا كَانَتْ لَهُنَّ رَايَاتٌ وَكُنَّ غَيْرَ مُحْصَنَاتٍ فَأَرَادَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ نِكَاحَهُنَّ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِتَحْرِيمِ أَنْ يَنْكِحْنَ إلَّا مَنْ أَعْلَنَ بِمِثْلِ مَا أَعْلَنَّ بِهِ أَوْ مُشْرِكًا وَقِيلَ كُنَّ زَوَانِيَ مُشْرِكَاتٍ فَنَزَلَتْ لاَ يَنْكِحُهُنَّ إلَّا زَانٍ مِثْلُهُنَّ مُشْرِكٌ أَوْ مُشْرِكَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَانِيًا وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَقِيلَ غَيْرُ هَذَا وَقِيلَ هِيَ عَامَّةٌ وَلَكِنَّهَا نُسِخَتْ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏الزَّانِي لاَ يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً‏}‏ قَالَ هِيَ مَنْسُوخَةٌ نَسَخَتْهَا ‏{‏وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ‏}‏ فَهِيَ مِنْ أَيَامَى الْمُسْلِمِينَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَوَجَدْنَا الدَّلاَلَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زَانِيَةٍ وَزَانٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَمْ نَعْلَمْهُ حَرَّمَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْكِحَ غَيْرَ زَانِيَةٍ وَلاَ زَانٍ وَلاَ حَرَّمَ وَاحِدًا مِنْهُمَا عَلَى زَوْجِهِ فَقَدْ أَتَاهُ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ وَأَقَرَّ عِنْدَهُ بِالزِّنَا مِرَارًا لَمْ يَأْمُرْهُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا أَنْ يَجْتَنِبَ زَوْجَةً لَهُ إنْ كَانَتْ وَلاَ زَوْجَتَهُ أَنْ تَجْتَنِبَهُ وَلَوْ كَانَ الزِّنَا يُحَرِّمُهُ عَلَى زَوْجَتِهِ أَشْبَهَ أَنْ يَقُولَ لَهُ إنْ كَانَتْ لَكَ زَوْجَةٌ حُرِّمَتْ عَلَيْك أَوْ لَمْ تَكُنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ أَنْ تَنْكِحَ وَلَمْ نَعْلَمْهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ وَلاَ أَنْ لاَ يَنْكِحَ وَلاَ غَيْرَهُ أَنْ لاَ يُنْكِحَهُ إلَّا زَانِيَةً وَقَدْ ذَكَرَ لَهُ رَجُلٌ أَنَّ امْرَأَةً زَنَتْ وَزَوْجُهَا حَاضِرٌ فَلَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا عَلِمْنَا زَوْجَهَا بِاجْتِنَابِهَا وَأَمَرَ أُنَيْسًا أَنْ يَغْدُوَ عَلَيْهَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا وَقَدْ جَلَدَ ابْنَ الْأَعْرَابِيِّ فِي الزِّنَا مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا وَلَمْ يَنْهَهُ عِلْمَنَا أَنْ يَنْكِحَ وَلاَ أَحَدًا أَنْ يُنْكِحَهُ إلَّا زَانِيَةً وَقَدْ رَفَعَ الرَّجُلُ الَّذِي قَذَفَ امْرَأَتَهُ إلَيْهِ أَمْرَ امْرَأَتِهِ وَقَذَفَهَا بِرَجُلٍ وَانْتَفَى مِنْ حَمْلِهَا فَلَمْ يَأْمُرْهُ بِاجْتِنَابِهَا حَتَّى لاَعَنَ بَيْنَهُمَا وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ «أَنَّ رَجُلاً شَكَا إلَيْهِ أَنَّ امْرَأَتَهُ لاَ تَدْفَعُ يَدَ لاَمِسٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يُفَارِقَهَا فَقَالَ لَهُ إنِّي أُحِبُّهَا فَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا» أَخْبَرْنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ «أَتَى رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي امْرَأَةً لاَ تَرُدُّ يَدَ لاَمِسٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَلِّقْهَا قَالَ إنِّي أُحِبُّهَا قَالَ فَأَمْسِكْهَا إذًا» وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ الْمُشْرِكَاتِ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الزُّنَاةِ وَغَيْرِ الزُّنَاةِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَهَا ابْنَةٌ مِنْ غَيْرِهِ وَلَهُ ابْنٌ مِنْ غَيْرِهَا فَفَجَرَ الْغُلاَمُ بِالْجَارِيَةِ فَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ فَلَمَّا قَدِمَ عُمَرُ مَكَّةَ رُفِعَ ذَلِكَ إلَيْهِ فَسَأَلَهَا فَاعْتَرَفَا فَجَلَدَهُمَا عُمَرُ الْحَدَّ وَحَرَصَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَأَبَى الْغُلاَمُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَالِاخْتِيَارُ لِلرَّجُلِ أَنْ لاَ يَنْكِحَ زَانِيَةً وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ لاَ تَنْكِحَ زَانِيًا فَإِنْ فَعَلاَ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِحَرَامٍ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَيْسَتْ مَعْصِيَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَفْسِهِ تُحَرِّمُ عَلَيْهِ الْحَلاَلَ إذَا أَتَاهُ قَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ نَكَحَ امْرَأَةً لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا زَنَتْ فَعَلِمَ قَبْلَ دُخُولِهَا عَلَيْهِ أَنَّهَا زَنَتْ قَبْلَ نِكَاحِهِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُ صَدَاقِهِ مِنْهَا وَلاَ فَسْخُ نِكَاحِهَا وَكَانَ لَهُ إنْ شَاءَ أَنْ يُمْسِكَ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُطَلِّقَ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ هُوَ الَّذِي وَجَدَتْهُ قَدْ زَنَى قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَهَا أَوْ بَعْدَمَا نَكَحَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ فَلاَ خِيَارَ لَهَا فِي فِرَاقِهِ وَهِيَ زَوْجَتُهُ بِحَالِهَا وَلاَ تَحْرُمُ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ حُدَّ الزَّانِي مِنْهُمَا أَوْ لَمْ يُحَدَّ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ اعْتَرَفَ لاَ يُحَرِّمُ زِنَا وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلاَ زِنَاهُمَا وَلاَ مَعْصِيَةٌ مِنْ الْمَعَاصِي الْحَلاَلَ إلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ دِينَاهُمَا بِشِرْكٍ وَإِيمَانٍ‏.‏

لاَ نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ‏{‏ إلَى ‏{‏بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ‏}‏ الْآيَةُ وَقَالَ فِي الْإِمَاءِ‏:‏ ‏{‏فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ أَنَّ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ كَانَ زَوَّجَ أُخْتًا لَهُ ابْنَ عَمٍّ لَهُ فَطَلَّقَهَا ثُمَّ أَرَادَ الزَّوْجُ وَأَرَادَتْ نِكَاحَهُ بَعْدَ مُضِيِّ عِدَّتِهَا فَأَبَى مَعْقِلٌ وَقَالَ زَوَّجْتُك وَآثَرْتُك عَلَى غَيْرِك فَطَلَّقْتهَا لاَ أُزَوِّجُكَهَا أَبَدًا فَنَزَلَ ‏{‏وَإِذَا طَلَّقْتُمْ‏}‏ يَعْنِي الْأَزْوَاجُ النِّسَاءَ ‏{‏فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ‏}‏ يَعْنِي فَانْقَضَى أَجَلُهُنَّ يَعْنِي عِدَّتَهُنَّ ‏{‏فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ‏}‏ يَعْنِي أَوْلِيَاءَهُنَّ ‏{‏أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ‏}‏ إنْ طَلَّقُوهُنَّ وَلَمْ يَبُتُّوا طَلاَقَهُنَّ وَمَا أَشْبَهَ مَعْنَى مَا قَالُوا مِنْ هَذَا بِمَا قَالُوا وَلاَ أَعْلَمُ الْآيَةَ تَحْتَمِلُ غَيْرَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤْمَرُ بِأَنْ لاَ يَعْضُلَ الْمَرْأَةَ مَنْ لَهُ سَبَبٌ إلَى الْعَضْلِ بِأَنْ يَكُونَ يَتِمُّ بِهِ نِكَاحُهَا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَالزَّوْجُ إذَا طَلَّقَهَا فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَيْسَ بِسَبِيلٍ مِنْهَا فَيَعْضُلُهَا وَإِنْ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا فَقَدْ يَحْرُمُ عَلَيْهَا أَنْ تَنْكِحَ غَيْرَهُ وَهُوَ لاَ يَعْضُلُهَا عَنْ نَفْسِهِ وَهَذَا أَبْيَنُ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَنَّ لِلْوَلِيِّ مَعَ الْمَرْأَةِ فِي نَفْسِهَا حَقًّا وَأَنَّ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ لاَ يَعْضُلَهَا إذَا رَضِيَتْ أَنْ تَنْكِحَ بِالْمَعْرُوفِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَجَاءَتْ السُّنَّةُ بِمِثْلِ مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ وَسَعِيدٌ وَعَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا الصَّدَاقُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا»‏.‏

وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي الْحَدِيثِ فَإِنْ اشْتَجَرُوا وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْهُمْ فَإِنْ اخْتَلَفُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لاَ وَلِيَّ لَهُ أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ وَسَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ جَمَعَتْ الطَّرِيقُ رَكْبًا فِيهِمْ امْرَأَةٌ ثَيِّبٌ فَوَلَّتْ رَجُلاً مِنْهُمْ أَمْرَهَا فَزَوَّجَهَا رَجُلاً فَجَلَدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ النَّاكِحَ وَرَدَّ نِكَاحَهَا أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْبَد بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه رَدَّ نِكَاحَ امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ وَعَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ نَكَحَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ كِنَانَةَ يُقَالُ لَهَا بِنْتُ أَبِي ثُمَامَةَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُضَرِّسٍ فَكَتَبَ عَلْقَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ الْعُتْوَارِيُّ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ إنِّي وَلِيُّهَا وَإِنَّهَا نَكَحَتْ بِغَيْرِ أَمْرِي فَرَدَّهُ عُمَرُ وَقَدْ أَصَابَهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَأَيُّ امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَلاَ نِكَاحَ لَهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ»‏.‏ وَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا بِمَا قَضَى لَهَا بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّدَاقَ يَجِبُ فِي كُلِّ نِكَاحٍ فَاسِدٍ بِالْمَسِيسِ وَأَنْ لاَ يَرْجِعَ بِهِ الزَّوْجُ عَلَى مَنْ غَرَّهُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهَا وَقَدْ غَرَّتْهُ مِنْ نَفْسِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهَا وَهُوَ لَهَا وَهُوَ لَوْ كَانَ يَرْجِعُ بِهِ فَكَانَتْ الْغَارَّةُ لَهُ مِنْ نَفْسِهَا بَطَلَ عَنْهَا وَلاَ يَرْجِعُ زَوْجٌ أَبَدًا بِصَدَاقٍ عَلَى مَنْ غَرَّهُ امْرَأَةٌ كَانَتْ أَوْ غَيْرُ امْرَأَةٍ إذَا أَصَابَهَا قَالَ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَلَى السُّلْطَانِ إذَا اشْتَجَرُوا أَنْ يَنْظُرَ فَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ عَاضِلاً أَمَرَهُ بِالتَّزْوِيجِ فَإِنْ زَوَّجَ فَحَقٌّ أَدَّاهُ وَإِنْ لَمْ يُزَوِّجْ فَحَقٌّ مَنَعَهُ وَعَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يُزَوِّجَ أَوْ يُوَكِّلَ وَلِيًّا غَيْرَهُ فَيُزَوِّجَ وَالْوَلِيُّ عَاصٍ بِالْعَضْلِ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ‏}‏ وَإِنْ ذَكَرَ شَيْئًا نَظَرَ فِيهِ السُّلْطَانُ فَإِنْ رَآهَا تَدْعُو إلَى كَفَاءَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهَا وَإِنْ دَعَاهَا الْوَلِيُّ إلَى خَيْرٍ مِنْهُ وَإِنْ دَعَتْ إلَى غَيْرِ كَفَاءَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَزْوِيجُهَا وَالْوَلِيُّ لاَ يَرْضَى بِهِ وَإِنَّمَا الْعَضْلُ أَنْ تَدْعُوَ إلَى مِثْلِهَا أَوْ فَوْقِهَا فَيَمْتَنِعُ الْوَلِيُّ‏.‏

اجْتِمَاعُ الْوُلاَةِ وَافْتِرَاقُهُمْ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلاَ وِلاَيَةَ لِأَحَدٍ مَعَ أَبٍ فَإِذَا مَاتَ فَالْجَدُّ أَبُو الْأَبِ فَإِذَا مَاتَ فَالْجَدُّ أَبُو الْجَدِّ لِأَنَّ كُلَّهُمْ أَبٌ وَكَذَلِكَ الْآبَاءُ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُزَوَّجَةَ مِنْ الْآبَاءِ وَلَيْسَتْ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْوِلاَيَةُ غَيْرُ الْمَوَارِيثِ وَلاَ وِلاَيَةَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَجْدَادِ دُونَهُ أَبٌ أَقْرَبُ إلَى الْمُزَوَّجَةِ مِنْهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ آبَاءٌ فَلاَ وِلاَيَةَ لِأَحَدٍ مَعَ الْإِخْوَةِ وَإِذَا اجْتَمَعَ الْإِخْوَةُ فَبَنُو الْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى مِنْ بَنِي الْأَبِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَنُو أُمٍّ وَأَبٍ فَبَنُو الْأَبِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ وَلاَ وِلاَيَةَ لِبَنِي الْأُمِّ وَلاَ لِجَدٍّ أَبِي أُمٍّ إنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ لِأَنَّ الْوِلاَيَةَ لِلْعَصَبَةِ فَإِنْ كَانُوا بَنِي عَمٍّ وَلاَ أَقْرَبَ مِنْهُمْ كَانَتْ لَهُمْ الْوِلاَيَةُ بِأَنَّهُمْ عَصَبَةٌ وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ مِثْلُهُمْ مِنْ الْعَصَبَةِ كَانُوا أَوْلَى لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ بِأُمٍّ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ إخْوَةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَلاَ أَبٍ وَكَانَ بَنُو أَخٍ وَأُمٍّ وَبَنُو أَخٍ لِأَبٍ فَبَنُو الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى مِنْ بَنِي الْأَخِ لِلْأَبِ وَإِنْ كَانَ بَنُو أَخٍ لِأَبٍ وَبَنُو أَخٍ لِأُمٍّ فَبَنُو الْأَخِ لِلْأَبِ أَوْلَى وَلاَ وِلاَيَةَ لِبَنِي الْأَخِ لِلْأُمِّ بِحَالٍ إلَّا أَنْ يَكُونُوا عَصَبَةً قَالَ وَإِذَا تَسَفَّلَ بَنُو الْأَخِ فَأَنْسُبُهُمْ إلَى الْمُزَوَّجَةِ فَأَيُّهُمْ كَانَ أَقْعُدَ بِهَا وَإِنْ كَانَ ابْنَ أَبٍ فَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّ قَرَابَةَ الْأَقْعَدِ أَقْرَبُ مِنْ قَرَابَةِ أُمٍّ غَيْرَ وَلَدِهَا أَقْعَدَ مِنْهُ وَإِذَا اسْتَوَوْا فَكَانَ فِيهِمْ ابْنُ أَبٍ وَأُمٍّ فَهُوَ أَوْلَى بِقُرْبِهِ مَعَ الْمُسَاوَاةِ قَالَ وَإِنْ حَرُمَ النَّسَبُ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ كَانَ بَنُو بَنِي الْأَخِ وَإِنْ تَسَفَّلُوا وَبَنُو عَمٍّ دَنِيَّةً فَبَنُو بَنِي الْأَخِ وَإِنْ تَسَفَّلُوا أَوْلَى لِأَنَّهُمْ يَجْمَعُهُمْ وَإِيَّاهَا أَبٌ قَبْلَ بَنِي الْعَمِّ وَهَكَذَا إنْ كَانَ بَنُو أَخٍ وَعُمُومَةٍ فَبَنُو الْأَخِ أَوْلَى وَإِنْ تَسَفَّلُوا لِأَنَّ الْعُمُومَةَ غَيْرُ آبَاءٍ فَيَكُونُونَ أَوْلَى لِأَنَّ الْمُزَوَّجَةَ مِنْ الْأَبِ فَإِذَا انْتَهَتْ الْأُبُوَّةُ فَأَقْرَبُ النَّاسِ بِالْمُزَوَّجَةِ أَوْلاَهُمْ بِهَا وَبَنُو أَخِيهَا أَقْرَبُ بِهَا مِنْ عُمُومَتِهَا لِأَنَّهُ يَجْمَعُهُمْ وَإِيَّاهَا أَبٌ دُونَ الْأَبِ الَّذِي يَجْمَعُهَا بِالْعُمُومَةِ‏.‏

وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَنُو الْأَخِ وَكَانُوا بَنِي عَمٍّ فَكَانَ فِيهِمْ بَنُو عَمٍّ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَبَنُو عَمٍّ لِأَبٍ فَاسْتَوَوْا فَبَنُو الْعَمِّ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ بَنُو الْعَمِّ لِلْأَبِ أَقْعَدَ فَهُمْ أَوْلَى، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا قَرَابَةٌ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَكَانَ لَهَا أَوْصِيَاءُ لَمْ يَكُنْ الْأَوْصِيَاءُ وُلاَةَ نِكَاحٍ وَلاَ وُلاَةَ مِيرَاثٍ وَهَكَذَا إنْ كَانَ لَهَا قَرَابَةٌ مِنْ قِبَلِ أُمِّهَا أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهَا لاَ وِلاَيَةَ لِلْقَرَابَةِ فِي النِّكَاحِ إلَّا مِنْ قِبَلِ الْأَبِ‏.‏

وَإِنْ كَانَ لِلْمُزَوَّجَةِ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ فَلاَ وِلاَيَةَ لَهُمْ فِيهَا بِحَالٍ إلَّا أَنْ يَكُونُوا عَصَبَةً فَتَكُونَ لَهُمْ الْوِلاَيَةُ بِالْعَصَبَةِ أَلاَ تَرَى أَنَّهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ عَنْهَا وَلاَ يَنْتَسِبُونَ مِنْ قَبِيلِهَا إنَّمَا قَبِيلُهَا نَسَبُهَا مِنْ قِبَلِ أَبِيهَا أَوْ لاَ تَرَى أَنَّ بَنِي الْأُمِّ لاَ يَكُونُونَ وُلاَةَ نِكَاحٍ فَإِذَا كَانَتْ الْوِلاَيَةُ لاَ تَكُونُ بِالْأُمِّ إذَا انْفَرَدَتْ فَهَكَذَا وَلَدُهَا لاَ يَكُونُونَ وُلاَةً لَهَا وَإِذَا كَانَ وَلَدُهَا عَصَبَةً وَكَانَ مَعَ وَلَدِهَا عَصَبَةٌ أَقْرَبُ مِنْهُمْ هُمْ أَوْلَى مِنْهُمْ فَالْعَصَبَةُ أَوْلَى وَإِنْ تَسَاوَى الْعَصَبَةُ فِي قَرَابَتِهِمْ بِهَا مِنْ قِبَلِ الْأَبِ فَهُمْ أَوْلَى كَمَا يَكُونُ بَنُو الْأُمِّ وَالْأَبِ أَوْلَى مِنْ بَنِي الْأَبِ وَإِنْ اسْتَوَوْا فَالْوَلَدُ أَوْلَى‏.‏

وِلاَيَةُ الْمَوْلَى

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلاَ يَكُونُ الرَّجُلُ وَلِيًّا بِوَلاَءٍ وَلِلْمُزَوَّجَةِ نَسَبٌ مِنْ قِبَلِ أَبِيهَا يُعْرَفُ وَلاَ لِلْأَخْوَالِ وِلاَيَةٌ بِحَالٍ أَبَدًا إلَّا أَنْ يَكُونُوا عَصَبَةً فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ عَصَبَةٌ وَلَهَا مَوَالٍ فَمَوَالِيهَا أَوْلِيَاؤُهَا وَلاَ وَلاَءَ إلَّا لِمُعْتِقٍ ثُمَّ أَقْرَبُ النَّاسِ بِمُعْتِقِهَا وَلِيُّهَا كَمَا يَكُونُ أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ وَلِيَّ وَلَدِ الْمُعْتِقِ لَهَا قَالَ وَاجْتِمَاعُ الْوُلاَةِ مِنْ أَهْلِ الْوَلاَءِ فِي وِلاَيَةِ الْمُزَوَّجَةِ كَاجْتِمَاعِهِمْ فِي النَّسَبِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ زَوَّجَهَا مَوْلَى نِعْمَةٍ وَلاَ يَعْلَمُ لَهَا قَرِيبًا مِنْ قِبَلِ أَبِيهَا ثُمَّ عَلِمَ كَانَ النِّكَاحُ مَفْسُوخًا، لِأَنَّهُ غَيْرُ وَلِيٍّ كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا وَلِيُّ قَرَابَةٍ يُعْلَمُ أَقْرَبُ مِنْهُ كَانَ النِّكَاحُ مَفْسُوخًا‏.‏

مَغِيبُ بَعْضِ الْوُلاَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلاَ وِلاَيَةَ لِأَحَدٍ بِنَسَبٍ وَلاَ وَلاَءٍ وَأَوْلَى مِنْهُ حَيٌّ غَائِبًا كَانَ أَوْ حَاضِرًا بَعِيدَ الْغَيْبَةِ مُنْقَطِعَهَا مُؤَيَّسًا مِنْهُ مَفْقُودًا أَوْ غَيْرَ مَفْقُودٍ وَقَرِيبَهَا مَرْجُوَّ الْإِيَابِ غَائِبًا وَإِذَا كَانَ الْوَلِيُّ حَاضِرًا فَامْتَنَعَ مِنْ التَّزْوِيجِ فَلاَ يُزَوِّجُهَا الْوَلِيُّ الَّذِي يَلِيه فِي الْقَرَابَةِ وَلاَ يُزَوِّجُهَا إلَّا السُّلْطَانُ الَّذِي يَجُوزُ حُكْمُهُ فَإِذَا رُفِعَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ فَحَقَّ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الْوَلِيِّ فَإِنْ كَانَ غَائِبًا سَأَلَ عَنْ الْخَاطِبِ فَإِنْ رَضِيَ بِهِ أَحْضَرَ أَقْرَبَ الْوُلاَةِ بِهَا وَأَهْلَ الْمَحْرَمِ مِنْ أَهْلِهَا وَقَالَ هَلْ تَنْقِمُونَ شَيْئًا‏؟‏ فَإِنْ ذَكَرُوهُ نَظَرَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ كُفْئًا وَرَضِيَتْهُ أَمَرَهُمْ بِتَزْوِيجِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا زَوَّجَهُ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُمْ وَزَوَّجَهُ فَجَائِزٌ وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ حَاضِرًا فَامْتَنَعَ مِنْ أَنْ يُزَوِّجَهَا مَنْ رَضِيَتْ صَنَعَ ذَلِكَ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ الَّذِي لاَ أَقْرَبَ مِنْهُ حَاضِرًا فَوَكَّلَ قَامَ وَكِيلُهُ مَقَامَهُ وَجَازَ تَزْوِيجُهُ كَمَا يَجُوزُ إذَا وَكَّلَهُ بِتَزْوِيجِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَزَوَّجَهُ أَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَ مَنْ رَأَى فَزَوَّجَهُ كُفْئًا تَرْضَى الْمَرْأَةُ بِهِ بِعَيْنِهِ فَإِنْ زَوَّجَ غَيْرَ كُفْءٍ لَمْ يَجُزْ وَكَانَ هَذَا مِنْهُ تَعَدِّيًا مَرْدُودًا، كَمَا يُرَدُّ تَعَدِّي الْوُكَلاَءِ‏.‏

مَنْ لاَ يَكُونُ وَلِيًّا مِنْ ذِي الْقَرَابَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلاَ يَكُونُ الرَّجُلُ وَلِيًّا لِامْرَأَةٍ بِنْتًا كَانَتْ أَوْ أُخْتًا أَوْ بِنْتَ عَمٍّ أَوْ امْرَأَةً هُوَ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهَا نَسَبًا أَوْ وَلاَءً حَتَّى يَكُونَ الْوَلِيُّ حُرًّا مُسْلِمًا رَشِيدًا يَعْقِلُ مَوْضِعَ الْحَظِّ وَتَكُونُ الْمَرْأَةُ مُسْلِمَةً وَلاَ يَكُونُ الْمُسْلِمُ وَلِيًّا لِكَافِرَةٍ وَإِنْ كَانَتْ بِنْتَه وَلاَ وِلاَيَةَ لَهُ عَلَى كَافِرَةٍ إلَّا أَمَتَهُ فَإِنَّ مَا صَارَ لَهَا بِالنِّكَاحِ مِلْكٌ لَهُ‏.‏

قَالَ وَلاَ يَكُونُ الْكَافِرُ وَلِيًّا لِمُسْلِمَةٍ وَإِنْ كَانَتْ بِنْتَهُ، قَدْ زَوَّجَ ابْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمُّ حَبِيبَةَ وَأَبُو سُفْيَانَ حَيٌّ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُسْلِمَةً وَابْنُ سَعِيدٍ مُسْلِمٌ لاَ أَعْلَمُ مُسْلِمًا أَقْرَبَ بِهَا مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ لِأَبِي سُفْيَانَ فِيهَا وِلاَيَةٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَطَعَ الْوِلاَيَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمَوَارِيثَ وَالْعَقْلَ وَغَيْرَ ذَلِكَ قَالَ‏:‏ فَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْحَاكِمُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَةَ لِأَنَّهُ بِحُكْمٍ لاَ وِلاَيَةَ إذَا حَاكَمَتْ إلَيْهِ وَلاَ يَكُونُ إذَا كَانَ بَالِغًا مُسْلِمًا وَلِيًّا إنْ كَانَ سَفِيهًا مُوَلِّيًا عَلَيْهِ أَوْ غَيْرَ عَالَمٍ بِمَوْضِعِ الْحَظِّ لِنَفْسِهِ وَمَنْ زَوَّجَهُ إذَا كَانَ هَذَا لاَ يَكُونُ وَلِيًّا لِنَفْسِهِ يُزَوِّجُهَا كَانَ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا لِغَيْرِهِ أَبْعَدَ‏.‏

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا وَلِيًّا لِلسَّفَهِ أَوْ ضَعْفِ الْعَقْلِ فَكَذَلِكَ الْمَعْتُوهُ وَالْمَجْنُونُ الَّذِي لاَ يُفِيقُ بَلْ هُمَا أَبْعَدُ مِنْ أَنْ يَكُونَا وَلِيَّيْنِ‏:‏ قَالَ وَمَنْ خَرَجَ مِنْ الْوِلاَيَةِ بِأَحَدِ هَذِهِ الْمَعَانِي حَتَّى لاَ يَكُونَ وَلِيًّا بِحَالٍ فَالْوَلِيُّ أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ مِمَّنْ يُفَارِقُ هَذِهِ الْحَالَ وَهَذَا كَمَنْ لَمْ يَكُنْ وَكَمَنْ مَاتَ وَلاَ وِلاَيَةَ لَهُ مَا كَانَ بِهَذِهِ الْحَالِ، فَإِذَا صَلُحَتْ حَالُهُ صَارَ وَلِيًّا، لِأَنَّ الْحَالَ الَّتِي مُنِعَ بِهَا الْوِلاَيَةُ قَدْ ذَهَبَتْ‏.‏

الْأَكْفَاءُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ لاَ أَعْلَمُ فِي أَنَّ لِلْوُلاَةِ أَمْرًا مَعَ الْمَرْأَةِ فِي نَفْسِهَا شَيْئًا جُعِلَ لَهُمْ أَبْيَنَ مِنْ أَنْ لاَ تُزَوَّجَ إلَّا كُفُؤًا، فَإِنْ قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِئَلَّا يُزَوَّجَ إلَّا نِكَاحًا صَحِيحًا‏.‏ قِيلَ قَدْ يُحْتَمَلُ ذَلِكَ أَيْضًا وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ الْوُلاَةُ لَوْ زَوَّجُوهَا غَيْرَ نِكَاحٍ صَحِيحٍ لَمْ يَجُزْ كَانَ هَذَا ضَعِيفًا لاَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ جُعِلَ لِلْوُلاَةِ مَعَهَا أَمْرٌ فَأَمَّا الصَّدَاقُ فَهِيَ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْوُلاَةِ وَلَوْ وَهَبَتْهُ جَازَ وَلاَ مَعْنَى لَهُ أَوْلَى بِهِ مِنْ أَنْ لاَ يُزَوَّجَ إلَّا كُفُؤًا بَلْ لاَ أَحْسِبُهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جُعِلَ لَهُمْ أَمْرٌ مَعَ الْمَرْأَةِ فِي نَفْسِهَا إلَّا لِئَلَّا تَنْكِحَ إلَّا كُفُؤًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ إذَا اجْتَمَعَ الْوُلاَةُ فَكَانُوا شَرْعًا فَأَيُّهُمْ صَلُحَ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا بِحَالٍ فَهُوَ كَأَفْضَلِهِمْ وَسَوَاءٌ الْمُسِنُّ مِنْهُمْ وَالْكَهْلُ وَالشَّابُّ وَالْفَاضِلُ وَاَلَّذِي دُونَهُ إذَا صَلُحَ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا فَأَيُّهُمْ زَوَّجَهَا بِإِذْنِهَا كُفُؤًا جَازَ وَإِنْ سَخِطَ ذَلِكَ مَنْ بَقِيَ مِنْ الْوُلاَةِ وَأَيُّهُمْ زَوَّجَ بِإِذْنِهَا غَيْرَ كُفُؤٍ فَلاَ يَثْبُتُ النِّكَاحُ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَيْهِ‏:‏ وَكَذَلِكَ لَوْ اجْتَمَعَتْ جَمَاعَتُهُمْ عَلَى تَزْوِيجِ غَيْرِ كُفْءٍ وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمْ كَانَ النِّكَاحُ مَرْدُودًا بِكُلِّ حَالٍّ حَتَّى تَجْتَمِعَ الْوُلاَةُ مَعًا عَلَى إنْكَاحِهِ قَبْلَ إنْكَاحِهِ فَيَكُونَ حَقًّا لَهُمْ تَرَكُوهُ‏.‏

وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ أَقْرَبَ مِمَّنْ دُونَهُ فَزَوَّجَ غَيْرَ كُفْءٍ بِإِذْنِهَا فَلَيْسَ لِمَنْ بَقِيَ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الَّذِي هُوَ أَوْلَى مِنْهُمْ رَدُّهُ لِأَنَّهُ لاَ وِلاَيَةَ لَهُمْ مَعَهُ قَالَ‏:‏ وَلَيْسَ نِكَاحُ غَيْرِ الْكُفْءِ مُحَرَّمًا فَأَرُدُّهُ بِكُلِّ حَالٍ إنَّمَا هُوَ نَقْصٌ عَلَى الْمُزَوَّجَةِ وَالْوُلاَةِ فَإِذَا رَضِيَتْ الْمُزَوَّجَةُ وَمَنْ لَهُ الْأَمْرُ مَعَهَا بِالنَّقْصِ لَمْ أَرُدَّهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِذَا زَوَّجَ الْوَلِيُّ الْوَاحِدُ كُفُؤًا بِأَمْرِ الْمَرْأَةِ الْمَالِكِ لِأَمْرِهَا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا لَمْ يَكُنْ لِمَنْ بَقِيَ مِنْ الْوُلاَةِ رَدُّ النِّكَاحِ وَلاَ أَنْ يَقُومُوا عَلَيْهِ حَتَّى يُكْمِلُوا لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي نَقْصِ الْمَهْرِ نَقْصُ نَسَبٍ إنَّمَا هُوَ نَقْصُ الْمَالِ وَنَقْصُ الْمَالِ لَيْسَ عَلَيْهَا وَلاَ عَلَيْهِمْ فِيهِ نَقْصُ حَسَبٍ وَهِيَ أَوْلَى بِالْمَالِ مِنْهُمْ وَإِذَا رَضِيَ الْوَلِيُّ الَّذِي لاَ أَقْرَبَ مِنْهُ بِإِنْكَاحِ رَجُلٍ غَيْرِ كُفْءٍ فَأَنْكَحَهُ بِإِذْنِ الْمَرْأَةِ وَالْوُلاَةِ الَّذِينَ هُمْ شَرْعٌ ثُمَّ أَرَادَ الْوَلِيُّ الْمُزَوِّجُ وَالْوُلاَةُ رَدَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بَعْدَ رِضَاهُمْ وَتَزْوِيجِهِمْ إيَّاهُ بِرِضَا الْمَرْأَةِ، وَإِنْ كَانُوا زَوَّجُوهَا بِأَمْرِهَا بِأَقَلَّ مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا وَكَانَتْ لاَ يَجُوزُ أَمْرُهَا فِي مَالِهَا فَلَهَا تَمَامُ صَدَاقِ مِثْلِهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ لاَ يُرَدُّ فَهُوَ كَالْبُيُوعِ الْمُسْتَهْلَكَةِ كَمَا لَوْ بَاعَتْ وَهِيَ مَحْجُورَةٌ بَيْعًا فَاسْتُهْلِكَ وَقَدْ غُبِنَتْ فِيهِ لَزِمَ مُشْتَرِيَهُ قِيمَتُهُ، قَالَ وَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَحْجُورًا عَلَيْهَا مَالُهَا فَسَوَاءٌ مَنْ حَابَى فِي صَدَاقِهَا أَبٌ أَوْ غَيْرُهُ لاَ تَجُوزُ الْمُحَابَاةُ وَيُلْحَقُ بِصَدَاقِ مِثْلِهَا وَلاَ يُرَدُّ النِّكَاحُ دَخَلَتْ أَوْ لَمْ تَدْخُلْ وَإِنْ طَلُقَتْ قَبْلَ ذَلِكَ أُخِذَ لَهَا نِصْفُ صَدَاقِ مِثْلِهَا‏.‏

مَا جَاءَ فِي تَشَاحِّ الْوُلاَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا كَانَ الْوُلاَةُ شَرْعًا فَأَرَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَلِيَ التَّزْوِيجَ دُونَ بَعْضٍ فَذَلِكَ إلَى الْمَرْأَةِ تُوَلِّي أَيَّهُمْ شَاءَتْ فَإِنْ قَالَتْ قَدْ أَذِنْت فِي فُلاَنٍ فَأَيُّ وُلاَتِي أَنْكَحَنِيهِ فَنِكَاحُهُ جَائِزٌ فَأَيُّهُمْ أَنْكَحَهَا فَنِكَاحُهُ جَائِزٌ فَإِنْ ابْتَدَرَهُ اثْنَانِ فَزَوَّجَاهَا فَنِكَاحُهَا جَائِزٌ وَإِنْ تَمَانَعُوا أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ السُّلْطَانُ فَأَيُّهُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ أَمَرَهُ بِالتَّزْوِيجِ وَإِنْ لَمْ يَتَرَافَعُوا إلَى السُّلْطَانِ عَدَلَ بَيْنَهُمْ أَمَرَهُمْ فَأَيُّهُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ زَوَّجَ وَإِنْ تَرَكُوا الْإِقْرَاعَ أَوْ تَرَكَهُ السُّلْطَانُ لَمْ أُحِبَّهُ لَهُمْ وَأَيُّهُمْ زَوَّجَ بِإِذْنِهَا جَازَ‏.‏

إنْكَاحُ الْوَلِيَّيْنِ وَالْوَكَالَةُ فِي النِّكَاحِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «إذَا أَنْكَحَ الْوَلِيَّانِ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ» قَالَ وَبَيَّنَ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَوَّلُ أَحَقُّ أَنَّ الْحَقَّ لاَ يَكُونُ بَاطِلاً وَأَنَّ نِكَاحَ الْآخَرِ بَاطِلٌ وَأَنَّ الْبَاطِلَ لاَ يَكُونُ حَقًّا بِأَنْ يَكُونُ الْآخَرُ دَخَلَ وَلَمْ يَدْخُلْ الْأَوَّلُ وَلاَ يَزِيدُ الْأَوَّلُ حَقًّا لَوْ كَانَ هُوَ الدَّاخِلُ قَبْلَ الْآخَرِ هُوَ أَحَقُّ بِكُلِّ حَالٍ قَالَ‏:‏ وَفِيهِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ الْوَكَالَةَ فِي النِّكَاحِ جَائِزَةٌ وَلِأَنَّهُ لاَ يَكُونُ نِكَاحُ وَلِيَّيْنِ مُتَكَافِئًا حَتَّى يَكُونَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا إلَّا بِوَكَالَةٍ مِنْهَا مَعَ «تَوْكِيلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ فَزَوَّجَهُ أُمَّ حَبِيبَةَ ابْنَةَ أَبِي سُفْيَانَ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَأَمَّا إذَا أَذِنَتْ الْمَرْأَةُ لِوَلِيَّيْهَا أَنْ يُزَوِّجَاهَا مَنْ رَأَيَا وَأَمَرَهَا أَحَدُهُمَا فِي رَجُلٍ فَقَالَتْ زَوِّجْهُ وَأَمَرَهَا آخَرُ فِي رَجُلٍ فَقَالَتْ زَوِّجْهُ فَزَوَّجَاهَا مَعًا رَجُلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كُفُؤَيْنِ‏.‏

فَأَيُّهُمَا زَوَّجَ أَوَّلاً فَالْأَوَّلُ الزَّوْجُ الَّذِي نِكَاحُهُ ثَابِتٌ وَطَلاَقُهُ وَمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مِمَّا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لاَزِمٌ وَنِكَاحُ الَّذِي بَعْدَهُ سَاقِطٌ دَخَلَ بِهَا الْآخَرُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ أَوْ الْأَوَّلُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ لاَ يَحِقُّ الدُّخُولُ لِأَحَدٍ شَيْئًا إنَّمَا يُحِقُّهُ أَصْلُ الْعُقْدَةِ فَإِنْ أَصَابَهَا آخَرُهُمَا نِكَاحًا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إذَا لَمْ يَصِحَّ عُقْدَةُ النِّكَاحِ لَمْ تَصِحَّ بِشَيْءٍ بَعْدَهَا إلَّا بِتَجْدِيدِ نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَإِذَا جَازَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُوَكِّلَ وَلِيَّيْنِ جَازَ لِلْوَلِيِّ الَّذِي لاَ أَمْرَ لِلْمَرْأَةِ مَعَهُ أَنْ يُوَكِّلَ وَهَذَا لِلْأَبِ خَاصَّةً فِي الْبِكْرِ وَلَمْ يَجُزْ لِوَلِيِّ غَيْرِهِ لِلْمَرْأَةِ مَعَهُمْ أَمْرٌ أَنْ يُوَكِّلَ أَبٌ فِي ثَيِّبٍ وَلاَ وَلِيٌّ غَيْرُ أَبٍ إلَّا بِأَنْ تَأْذَنَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِتَزْوِيجِهَا فَيَجُوزُ بِإِذْنِهَا‏.‏

فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً خَرَجَ وَوَكَّلَ رَجُلاً بِتَزْوِيجِ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ فَزَوَّجَهَا الْوَكِيلُ وَهُوَ فَأَيُّهُمَا أَنْكَحَ أَوَّلاً فَالنِّكَاحُ نِكَاحُهُ جَائِزٌ وَالْآخَرُ بَاطِلٌ الْوَكِيلُ أَوْ الْأَبُ، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا الْآخَرُ فَلَهَا الْمَهْرُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَالْوَلَدُ لاَحِقٌ وَلاَ مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَلاَ لَهُ مِنْهَا لَوْ مَاتَتْ وَلِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ مِنْهَا الْمِيرَاثُ وَعَلَيْهِ لَهَا الصَّدَاقُ يُحَاسَبُ بِهِ مِنْ مِيرَاثِهِ‏.‏

وَهَكَذَا لَوْ أَذِنَتْ لِوَلِيَّيْنِ فَزَوَّجَاهَا مَعًا أَوْ لِوَلِيٍّ أَنْ يُوَكِّلَ فَوَكَّلَ وَكِيلاً أَوْ لِوَلِيَّيْنِ كَذَلِكَ فَوَكَّلاَ وَكِيلَيْنِ أَيَّ هَذَا كَانَ فَالتَّزْوِيجُ الْأَوَّلُ أَحَقُّ وَلَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيَّانِ وَالْوُكَلاَءُ ثَلاَثَةً أَوْ أَرْبَعَةً فَالنِّكَاحُ لِلْأَوَّلِ إذَا عُلِمَ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عَلَى وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ صَاحِبِهِ‏.‏

قَالَ وَلَوْ زَوَّجَهَا وَلِيَّاهَا رَجُلَيْنِ فَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى يَوْمٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يُثْبِتُوا السَّاعَةَ أَوْ أَثْبَتُوهَا فَلَمْ يَكُنْ فِي إثْبَاتِهِمْ دَلاَلَةٌ عَلَى أَيِّ النِّكَاحَيْنِ كَانَ أَوَّلاً فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَلاَ شَيْءَ لَهَا مِنْ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ وَلَوْ دَخَلَ بِهَا أَحَدُهُمَا عَلَى هَذَا فَأَصَابَهَا كَانَ لَهَا مِنْهُ مَهْرُ مِثْلِهَا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَسَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجَانِ فِي هَذَا لاَ يَعْرِفَانِ أَيَّ النِّكَاحِ كَانَ قَبْلُ أَوْ يَتَدَاعَيَانِ فَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ نِكَاحِي قَبْلُ وَهُمَا يُقِرَّانِ أَنَّهَا لاَ تَعْلَمُ أَيَّ نِكَاحِهِمَا كَانَ أَوَّلاً وَيُقِرَّانِ بِأَمْرٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لاَ تَعْلَمُ ذَلِكَ، مِثْلُ أَنْ تَكُونَ غَائِبَةً عَنْ النِّكَاحِ بِبَلَدٍ غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي تَزَوَّجَتْ بِهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا‏.‏

وَلَوْ ادَّعَيَا عَلَيْهَا أَنَّهَا تَعْلَمُ أَيَّ نِكَاحِهِمَا أَوَّلُ وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ نِكَاحَهُ كَانَ أَوَّلاً كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا مَعَ يَمِينِهَا لِلَّذِي زَعَمَتْ أَنَّ نِكَاحَهُ آخِرًا، وَإِنْ قَالَتْ لاَ أَعْلَمُ أَيَّهُمَا كَانَ أَوَّلاً وَادَّعَيَا عِلْمَهَا أُحْلِفَتْ مَا تَعْلَمُ وَمَا يَلْزَمُهَا نِكَاحُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا‏.‏

قَالَ وَلَوْ كَانَتْ خَرْسَاءَ أَوْ مَعْتُوهَةً أَوْ صَبِيَّةً أَوْ خَرِسَتْ بَعْدَ التَّزْوِيجِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا يَمِينٌ وَفُسِخَ النِّكَاحُ، وَلَوْ زَوَّجَهَا أَبُوهَا وَوَكِيلٌ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ فَقَالَ الْأَبُ‏:‏ إنْكَاحِي أَوَّلاً أَوْ إنْكَاحُ وَكِيلِي أَوَّلاً كَانَ أَوْ قَالَ ذَلِكَ الْوَكِيلُ لَمْ يَكُنْ إقْرَارُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَلْزَمُهَا وَلاَ يَلْزَمُ الزَّوْجَيْنِ وَلاَ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَلَوْ كَانَتْ عَاقِلَةً بَالِغَةً فَأَقَرَّتْ لِأَحَدِهِمَا أَنَّ نِكَاحَهُ كَانَ أَوَّلاً لَزِمَهَا النِّكَاحُ الَّذِي أَقَرَّتْ أَنَّهُ كَانَ أَوَّلاً وَلَمْ تَحْلِفْ لِلْآخَرِ لِأَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ لَهُ بِأَنَّ نِكَاحَهُ أَوَّلاً ثُمَّ لَمْ يَكُنْ زَوْجَهَا‏.‏

وَقَدْ لَزِمَهَا أَنْ تَكُونَ زَوْجَةَ الْآخَرِ وَلَوْ كَانَ وَلِيُّهَا الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْ وَلِيِّهَا الَّذِي يَلِيهِ زَوَّجَهَا بِإِذْنِهَا وَوَلِيُّهَا الَّذِي هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ بِإِذْنِهَا فَإِنْكَاحُ الْوَلِيِّ الَّذِي دُونَهُ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ بَاطِلٌ وَلَوْ كَانَ عَلَى الِانْفِرَادِ‏.‏

وَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا فَنِكَاحُ الْوَلِيِّ الْأَقْرَبِ جَائِزٌ كَانَ قَبْلَ نِكَاحِ الْوَلِيِّ الْأَبْعَدِ أَوْ بَعْدُ، أَوْ دَخَلَ الَّذِي زَوَّجَهُ الْوَلِيُّ الْأَبْعَدُ الَّذِي لاَ وِلاَيَةَ لَهُ مَعَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ‏.‏

وَلَوْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجَانِ مَعًا أَثْبَتُّ نِكَاحَ الَّذِي زَوَّجَهُ الْوَلِيُّ وَآمُرُ بِاجْتِنَابِهَا حَتَّى تُكْمِلَ عِدَّتَهَا مِنْ الزَّوْجِ غَيْرِهِ، ثُمَّ خُلِّيَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ وَكَانَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ الْمَهْرُ الَّذِي سَمَّى وَعَلَى النَّاكِحِ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ مَهْرُ مِثْلِهَا كَانَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا سَمَّى لَهَا، وَلَوْ اشْتَمَلَتْ عَلَى حَمْلٍ وُقِفَا عَنْهَا وَهِيَ فِي وَقْفِهِمَا عَنْهَا زَوْجَةُ الَّذِي زَوَّجَهُ الْوَلِيُّ إنْ مَاتَ وَرِثَتْهُ وَإِنْ مَاتَتْ وَرِثَهَا، وَمَتَى جَاءَتْ بِوَلَدٍ أُرِيَهُ الْقَافَةُ فَبِأَيِّهِمَا أَلْحَقَاهُ لَحِقَ وَإِنْ لَمْ يُلْحِقَاهُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ أَلْحَقَاهُ بِهِمَا أَوْ لَمْ يَكُنْ قَافَةٌ وُقِفَ حَتَّى يَبْلُغَ فَيُنْتَسَبَ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ، قَالَ وَإِنْ انْتَفَيَا مِنْهُ وَلَمْ تَرَهُ الْقَافَةُ لاَعَنَاهَا مَعًا وَنُفِيَ عَنْهُمَا مَعًا فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ أَحَدُهُمَا نَسَبَتْهُ إلَيْهِ فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ الْآخَرُ وَقَفَتْهُ حَتَّى تَرَاهُ الْقَافَةُ وَكَانَ كَالْمَسْأَلَةِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَإِنْ مَاتَ الْآخَرُ بَعْدَمَا أَقَرَّ بِهِ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ فَهُوَ مِنْ الْأَوَّلِ وَلَوْ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ بِإِذْنِهَا فَدَخَلَ بِهَا صَاحِبُ التَّزْوِيجِ الْآخَرِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَتُنْزَعُ مِنْهُ وَهِيَ زَوْجَةُ الْأَوَّلِ وَيَمْسِكُ عَنْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ الدَّاخِلِ بِهَا‏.‏

مَا جَاءَ فِي نِكَاحِ الْآبَاءِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها قَالَتْ نَكَحَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا ابْنَةُ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ وَبَنَى بِي وَأَنَا ابْنَةُ تِسْعٍ» الشَّكُّ مِنْ الشَّافِعِيِّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَلَمَّا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْجِهَادَ يَكُونُ عَلَى ابْنِ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً وَأَخَذَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ فِي الْحُدُودِ وَحَكَمَ اللَّهُ بِذَلِكَ فِي الْيَتَامَى فَقَالَ‏:‏ ‏{‏حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا‏}‏ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الْأَمْرُ فِي نَفْسِهِ إلَّا ابْنَ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً أَوْ ابْنَةَ خَمْسَ عَشَرَةَ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ الْحُلُمَ أَوْ الْجَارِيَةَ الْمَحِيضَ قَبْلَ ذَلِكَ فَيَكُونُ لَهُمَا أَمْرٌ فِي أَنْفُسِهِمَا دَلَّ إنْكَاحُ أَبِي بَكْرٍ عَائِشَةَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَةَ سِتٍّ وَبِنَاؤُهُ بِهَا ابْنَةَ تِسْعٍ عَلَى أَنَّ الْأَبَ أَحَقُّ بِالْبِكْرِ مِنْ نَفْسِهَا وَلَوْ كَانَتْ إذَا بَلَغَتْ بِكْرًا كَانَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا مِنْهُ أَشْبَهَ أَنْ لاَ يَجُوزَ لَهُ عَلَيْهَا حَتَّى تَبْلُغَ فَيَكُونَ ذَلِكَ بِإِذْنِهَا أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَمِّعٍ ابْنَيْ زَيْدِ بْنِ جَارِيَةَ «عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ وَهِيَ كَارِهَةٌ فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ نِكَاحَهَا»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَأَيُّ وَلِيِّ امْرَأَةٍ ثَيِّبٍ أَوْ بِكْرٍ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ إلَّا الْآبَاءَ فِي الْأَبْكَارِ وَالسَّادَةَ فِي الْمَمَالِيكِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ نِكَاحَ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِدَامٍ حِينَ زَوَّجَهَا أَبُوهَا كَارِهَةً وَلَمْ يَقُلْ إلَّا أَنْ تَشَائِي أَنْ تَبَرِّي أَبَاكِ فَتُجِيزِي إنْكَاحَهُ لَوْ كَانَتْ إجَازَتُهُ إنْكَاحَهَا تُجِيزُهُ أَشْبَهُ أَنْ يَأْمُرَهَا أَنْ تُجِيزَ إنْكَاحَ أَبِيهَا وَلاَ يُرَدُّ بِقُوَّتِهِ عَلَيْهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَيُشْبِهُ فِي دَلاَلَةِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا فَرَّقَ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ فَجَعَلَ الثَّيِّبَ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَجَعَلَ الْبِكْرَ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا أَنَّ الْوَلِيَّ الَّذِي عَنَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الْأَبُ خَاصَّةً فَجَعَلَ الْأَيِّمَ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا مِنْهُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ أَنْ تُسْتَأْذَنَ الْبِكْرُ فِي نَفْسِهَا أَمْرُ اخْتِيَارٍ لاَ فَرْضٍ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ إذَا كَرِهَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَزْوِيجُهَا كَانَتْ كَالثَّيِّبِ وَكَانَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْكَلاَمُ فِيهَا أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَإِذْنُ الثَّيِّبِ الْكَلاَمُ وَإِذْنُ الْبِكْرِ الصَّمْتُ وَلَمْ أَعْلَمْ أَهْلَ الْعِلْمِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ غَيْرِ الْآبَاءِ أَنْ يُزَوِّجَ بِكْرًا وَلاَ ثَيِّبًا إلَّا بِإِذْنِهَا فَإِذَا كَانُوا لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ الْبَالِغَيْنِ لَمْ يَجُزْ إلَّا مَا وَصَفْت فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ فِي الْأَبِ الْوَلِيِّ وَغَيْرِ الْوَلِيِّ وَلَوْ كَانَ لاَ يَجُوزُ لِلْأَبِ إنْكَاحُ الْبِكْرِ إلَّا بِإِذْنِهَا فِي نَفْسِهَا مَا كَانَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا صَغِيرَةً لِأَنَّهُ لاَ أَمْرَ لَهَا فِي نَفْسِهَا فِي حَالِهَا تِلْكَ وَمَا كَانَ بَيْنَ الْأَبِ وَسَائِرِ الْوُلاَةِ فَرْقٌ فِي الْبِكْرِ كَمَا لاَ يَكُونُ بَيْنَهُمْ فَرْقٌ فِي الثَّيِّبِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُسْتَأْمَرَ الْبِكْرُ فِي نَفْسِهَا‏؟‏ قِيلَ يُشْبِهُ أَمْرُهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى اسْتِطَابَةِ نَفْسِهَا وَأَنْ يَكُونَ بِهَا دَاءٌ لاَ يَعْلَمُهُ غَيْرُهَا فَتَذْكُرُهُ إذَا اُسْتُؤْمِرَتْ أَوْ تَكْرَهُ الْخَاطِبَ لِعِلَّةٍ فَيَكُونُ اسْتِئْمَارُهَا أَحْسَنَ فِي الِاحْتِيَاطِ وَأَطْيَبَ لِنَفْسِهَا وَأَجْمَلَ فِي الْأَخْلاَقِ وَكَذَلِكَ نَأْمُرُ أَبَاهَا وَنَأْمُرُهُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْمُؤَامَرُ لَهَا فِيهِ أَقْرَبَ نِسَاءِ أَهْلِهَا وَأَنْ يَكُونَ تُفْضِي إلَيْهَا بِذَاتِ نَفْسِهَا أُمًّا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ أُمٍّ وَلاَ يَعْجَلُ فِي إنْكَاحِهَا إلَّا بَعْدَ إخْبَارِهَا بِزَوْجٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ يُكْرَهُ لِأَبِيهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا إنْ عَلِمَ مِنْهَا كَرَاهَةً لِمَنْ يُزَوِّجُهَا وَإِنْ فَعَلَ فَزَوَّجَهَا مَنْ كَرِهَتْ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَإِذَا كَانَ يَجُوزُ تَزْوِيجُهُ عَلَيْهَا مَنْ كَرِهَتْ فَكَذَلِكَ لَوْ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ اسْتِئْمَارِهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ وَمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُؤْمَرُ بِمُشَاوِرَةِ الْبِكْرِ وَلاَ أَمْرَ لَهَا مَعَ أَبِيهَا الَّذِي أُمِرَ بِمُشَاوِرَتِهَا‏؟‏ قِيلَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ» وَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُمْ مَعَهُ أَمْرًا إنَّمَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ طَاعَتَهُ وَلَكِنَّ فِي الْمُشَاوِرَةِ اسْتِطَابَةَ أَنْفُسِهِمْ وَأَنْ يَسْتَنَّ بِهَا مَنْ لَيْسَ لَهُ عَلَى النَّاسِ مَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالِاسْتِدْلاَلُ بِأَنْ يَأْتِيَ مِنْ بَعْضِ الْمُشَاوِرِينَ بِالْخَيْرِ قَدْ غَابَ عَنْ الْمُسْتَشِيرِ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا‏.‏

قَالَ وَالْجَدُّ أَبُو الْأَبِ وَأَبُوهُ وَأَبُو أَبِيهِ يَقُومُونَ مَقَامَ الْأَبِ فِي تَزْوِيجِ الْبِكْرِ وَوِلاَيَةِ الثَّيِّبِ مَا لَمْ يَكُنْ دُونَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَبٌ أَقْرَبَ مِنْهُ وَلَوْ زُوِّجَتْ الْبِكْرُ أَزْوَاجًا مَاتُوا عَنْهَا أَوْ فَارَقُوهَا وَأَخَذَتْ مُهُورًا وَمَوَارِيثَ دَخَلَ بِهَا أَزْوَاجُهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلُوا إلَّا أَنَّهَا لَمْ تُجَامِعْ زُوِّجَتْ تَزْوِيجَ الْبِكْرِ لِأَنَّهُ لاَ يُفَارِقُهَا اسْمُ بِكْرٍ إلَّا بِأَنْ تَكُونَ ثَيِّبًا وَسَوَاءٌ بَلَغَتْ سِنًّا وَخَرَجَتْ الْأَسْوَاقَ وَسَافَرَتْ وَكَانَتْ قَيِّمَ أَهْلِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَذَا شَيْءٌ لِأَنَّهَا بِكْرٌ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا‏.‏

قَالَ وَإِذَا جُومِعَتْ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ أَوْ زِنًا صَغِيرَةً كَانَتْ بَالِغًا أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ كَانَتْ ثَيِّبًا لاَ يَكُونُ لِلْأَبِ تَزْوِيجُهَا إلَّا بِإِذْنِهَا وَلاَ يَكُونُ لَهُ تَزْوِيجُهَا إذَا كَانَتْ ثَيِّبًا وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَبْلُغْ إنَّمَا يُزَوِّجُ الصَّغِيرَةَ إذَا كَانَتْ بِكْرًا لِأَنَّهُ لاَ أَمْرَ لَهَا فِي نَفْسِهَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً وَلاَ بَالِغًا مَعَ أَبِيهَا قَالَ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ غَيْرِ الْآبَاءِ أَنْ يُزَوِّجَ بِكْرًا وَلاَ ثَيِّبًا صَغِيرَةً لاَ بِإِذْنِهَا وَلاَ بِغَيْرِ إذْنِهَا وَلاَ يُزَوِّجُ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى تَبْلُغَ فَتَأْذَنَ فِي نَفْسِهَا‏.‏

وَإِنْ زَوَّجَهَا أَحَدٌ غَيْرُ الْآبَاءِ صَغِيرَةً فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَلاَ يَتَوَارَثَانِ وَلاَ يَقَعُ عَلَيْهَا طَلاَقٌ وَحُكْمُهُ حُكْمُ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فِي جَمِيعِ أَمْرِهِ لاَ يَقَعُ بِهِ طَلاَقٌ وَلاَ مِيرَاثٌ وَالْآبَاءُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ فِي الثَّيِّبِ سَوَاءٌ لاَ يُزَوِّجُ أَحَدٌ الثَّيِّبَ إلَّا بِإِذْنِهَا، وَإِذْنُهَا الْكَلاَمُ، وَإِذْنُ الْبِكْرِ الصَّمْتُ‏.‏

وَإِذَا زَوَّجَ الْأَبُ الثَّيِّبَ بِغَيْرِ عِلْمِهَا فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ رَضِيَتْ بَعْدُ أَوْ لَمْ تَرْضَ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَوْلِيَاءِ فِي الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ‏.‏

الْأَبُ يُنْكِحُ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ غَيْرَ الْكُفْءِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ يَجُوزُ أَمْرُ الْأَبِ عَلَى الْبِكْرِ فِي النِّكَاحِ إذَا كَانَ النِّكَاحُ حَظًّا لَهَا أَوْ غَيْرَ نَقْصٍ عَلَيْهَا وَلاَ يَجُوزُ إذَا كَانَ نَقْصًا لَهَا أَوْ ضَرَرًا عَلَيْهَا كَمَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ وَبَيْعُهُ عَلَيْهَا بِلاَ ضَرَرٍ عَلَيْهَا فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِنْ غَيْرِ مَا لاَ يَتَغَابَنُ أَهْلُ الْبَصَرِ بِهِ، وَكَذَلِكَ ابْنُهُ الصَّغِيرُ‏.‏

قَالَ وَلَوْ زَوَّجَ رَجُلٌ ابْنَتَهُ عَبْدًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ النِّكَاحُ لِأَنَّ الْعَبْدَ غَيْرُ كُفْءٍ لَمْ يَجُزْ وَفِي ذَلِكَ عَلَيْهَا نَقْصٌ بِضَرُورَةٍ وَلَوْ زَوَّجَهَا غَيْرَ كُفْءٍ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ عَلَيْهَا نَقْصًا، وَلَوْ زَوَّجَهَا كُفُؤًا أَجْذَمَ أَوْ أَبْرَصَ أَوْ مَجْنُونًا أَوْ خَصِيًّا مَجْبُوبًا أَوْ غَيْرَ مَجْبُوبٍ لَمْ يَجُزْ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَالِغًا كَانَ لَهَا الْخِيَارُ إذَا عَلِمَتْ هِيَ بِدَاءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَدْوَاءِ، وَلَوْ زَوَّجَهَا كُفُؤًا صَحِيحًا ثُمَّ عَرَضَ لَهُ دَاءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَدْوَاءِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَتَّى تَبْلُغَ فَإِذَا بَلَغَتْ فَلَهَا الْخِيَارُ‏.‏

قَالَ وَلَوْ عَقَدَ النِّكَاحَ عَلَيْهَا لِرَجُلٍ بِهِ بَعْضُ الْأَدْوَاءِ ثُمَّ ذَهَبَ عَنْهُ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ أَوْ عِنْدَ بُلُوغِهَا فَاخْتَارَتْ الْمُقَامَ مَعَهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ لِأَنَّ أَصْلَ الْعَقْدِ مَفْسُوخًا‏.‏ قَالَ لَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ صَغِيرًا أَوْ مَخْبُولاً أَمَةً كَانَ النِّكَاحُ مَفْسُوخًا لِأَنَّ الصَّغِيرَ لاَ يَخَافُ الْعَنَتَ وَالْمَخْبُولَ لاَ يُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ يَخَافُ الْعَنَتَ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لاَ يَجِدُ طَوْلاً وَلَوْ زَوَّجَهُ جَذْمَاءَ أَوْ بَرْصَاءَ أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ رَتْقَاءَ لَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ النِّكَاحُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ زَوَّجَهُ امْرَأَةً فِي نِكَاحِهَا ضَرَرٌ عَلَيْهِ أَوْ لَيْسَ لَهُ فِيهَا وَطَرٌ، مِثْلُ عَجُوزٍ فَانِيَةٍ أَوْ عَمْيَاءَ أَوْ قَطْعَاءَ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا‏.‏

الْمَرْأَةُ لاَ يَكُونُ لَهَا الْوَلِيُّ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» فَبَيَّنَ فِيهِ أَنَّ الْوَلِيَّ رَجُلٌ لاَ امْرَأَةٌ فَلاَ تَكُونُ الْمَرْأَةُ وَلِيًّا أَبَدًا لِغَيْرِهَا وَإِذَا لَمْ تَكُنْ وَلِيًّا لِنَفْسِهَا كَانَتْ أَبْعَدَ مِنْ أَنْ تَكُونَ وَلِيًّا لِغَيْرِهَا وَلاَ تَعْقِدُ عَقْدَ نِكَاحٍ‏.‏ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ كَانَتْ عَائِشَةُ تُخْطَبُ إلَيْهَا الْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِهَا فَتَشْهَدُ فَإِذَا بَقِيَتْ عُقْدَةُ النِّكَاحِ قَالَتْ لِبَعْضِ أَهْلِهَا زَوِّجْ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لاَ تَلِي عُقْدَةَ النِّكَاحِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لاَ تُنْكِحُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَإِنَّ الْبَغِيَّ إنَّمَا تُنْكِحُ نَفْسَهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تُزَوِّجَ جَارِيَتَهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ تُزَوِّجَهَا هِيَ وَلاَ وَكِيلُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا لِلْمَرْأَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ هِيَ وَلِيًّا لِجَارِيَتِهَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ بِسَبَبِهَا وَلِيًّا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْوُلاَةِ كَمَا لاَ يَكُونُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُوَكِّلَ نَفْسَهَا مَنْ يُزَوِّجُهَا إلَّا وَلِيًّا وَيُزَوِّجُهَا وَلِيُّ الْمَرْأَةِ السَّيِّدَةِ الَّذِي كَانَ يُزَوِّجُهَا هِيَ أَوْ السُّلْطَانُ إذَا أَذِنَتْ سَيِّدَتُهَا بِتَزْوِيجِهَا كَمَا يُزَوِّجُونَهَا هِيَ إذَا أَذِنَتْ بِتَزْوِيجِهَا وَلاَ يَجُوزُ لِوَلِيِّ الْمَرْأَةِ أَنْ يُوَلِّيَ امْرَأَةً تُزَوِّجُهَا إذَا لَمْ تَكُنْ وَلِيًّا فِي نَفْسِهَا لَمْ تَكُنْ وَلِيًّا بِوَكَالَةٍ وَلاَ يُزَوِّجُ جَارِيَتَهَا إلَّا بِإِذْنِهَا وَيَجُوزُ وَكَالَةُ الرَّجُلِ الرَّجُلَ فِي النِّكَاحِ إلَّا أَنَّهُ لاَ يُوَكِّلُ امْرَأَةً لِمَا وَصَفْت وَلاَ كَافِرًا بِتَزْوِيجِ مُسْلِمَةٍ لِأَنَّ وَاحِدًا مِنْ هَذَيْنِ لاَ يَكُونُ وَلِيًّا بِحَالٍ وَكَذَلِكَ لاَ يُوَكِّلُ عَبْدًا وَلاَ مَنْ لَمْ تَكْمُلْ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ وَكَذَلِكَ لاَ يُوَكِّلُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَلاَ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ لِأَنَّ هَؤُلاَءِ لاَ يَكُونُونَ وُلاَةً بِحَالٍ‏.‏

مَا جَاءَ فِي الْأَوْصِيَاءِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَوْلِيَاءَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ أَنَّ الْوُلاَةَ هُمْ الْعَصَبَةُ، وَأَنَّ الْأَخْوَالَ لاَ يَكُونُونَ وُلاَةً، إنْ لَمْ يَكُونُوا عَصَبَةً فَبَيَّنَ فِي قَوْلِهِمْ أَنْ لاَ وِلاَيَةَ لِوَصِيٍّ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْعَصَبَةِ لِأَنَّ الْوِلاَيَةَ يُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ جُعِلَتْ لِلْعَصَبَةِ لِلْعَارِ عَلَيْهِمْ وَالْوَصِيُّ مِمَّنْ لاَ عَارَ عَلَيْهِ فِيمَا أَصَابَ غَيْرَهُ مِنْ عَارٍ وَسَوَاءٌ وَصَّى الْأَبُ بِالْأَبْكَارِ وَالثَّيِّبَاتِ وَوَصَّى غَيْرَهُ فَلاَ وِلاَيَةَ لِوَصِيٍّ فِي النِّكَاحِ بِحَالٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَكِيلِ الْوَلِيِّ وَلاَ بِوَلِيٍّ وَالْخَالُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ عَارٌ مِنْ الْوَصِيِّ وَهُوَ لاَ وِلاَيَةَ لَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسَبٌ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ مَنْ لَقِيت مِنْ أَهْلِ الْآثَارِ وَالْقِيَاسُ، وَقَدْ قَالَ قَائِلٌ يَجُوزُ نِكَاحُ وَصِيِّ الْأَبِ عَلَى الْبِكْرِ خَاصَّةً دُونَ الْأَوْلِيَاءِ وَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُنْكِحَ الْبِكْرَ بِغَيْرِ إذْنِهَا وَلِلْأَبِ أَنْ يُنْكِحَهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا وَلاَ يَجُوزُ إنْكَاحُهُ الثَّيِّبَ بِأَمْرِهَا وَأَمْرُهَا إلَى الْوُلاَةِ وَيَقُولُ وَلاَ يَجُوزُ إنْكَاحُ وَصِيِّ وَلِيٍّ غَيْرِ وَصِيِّ الْأَبِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّ الْمَيِّتَ إذَا مَاتَ انْقَطَعَتْ وَكَالَتُهُ فَإِنْ كَانَ الْوَصِيُّ وَكِيلاً عِنْدَهُ كَوَكِيلِ الْحَيِّ فَوَكِيلُ الْأَبِ وَالْأَخِ وَلِيُّ الْأَوْلِيَاءِ، الْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ يَجُوزُ إنْكَاحُهُمْ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ بِوَكَالَةِ مَنْ وَكَّلَهُمْ مَا جَازَ لِمَنْ وَكَّلَهُمْ بِالنِّكَاحِ وَيُقِيمُهُمْ مُقَامَ مَنْ وَكَّلَهُ وَهُوَ لاَ يُجِيزُ لِوَصِيِّ الْأَبِ مَا يُجِيزُ لِلْأَبِ وَيَقُولُ لَيْسَ بِوَكِيلٍ وَلاَ أَبٍ فَيُقَالُ فَوَلِيُّ قَرَابَةٍ فَيَقُولُ‏:‏ لاَ فَيُقَالُ مَا هُوَ‏؟‏ فَيَقُولُ وَصِيُّ وَلِيٍّ فَيَقُولُ يَقُومُ مَقَامُهُ وَلاَ يَدْرِي مَا يَقُولُ وَيُقَالُ فَمَا لِغَيْرِ الْأَبِ فَيَقُولُ الْوَصِيُّ لَيْسَ بِوَلِيٍّ وَلاَ وَكِيلٍ فَيَجُوزُ نِكَاحُهُ وَلَيْسَ مِنْ النِّكَاحِ بِسَبِيلٍ فَيَقُولُ قَوْلاً مُتَنَاقِضًا يُخَالِفُ مَعْنَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْآثَارِ‏.‏

إنْكَاحُ الصِّغَارِ وَالْمَجَانِين

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلاَ يُزَوِّجُ الصَّغِيرَةَ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ أَحَدٌ غَيْرُ الْآبَاءِ وَإِنْ زَوَّجَهَا فَالتَّزْوِيجُ مَفْسُوخٌ وَالْأَجْدَادُ آبَاءٌ إذَا لَمْ يَكُنْ أَبٌ يَقُومُونَ مَقَامَ الْآبَاءِ فِي ذَلِكَ، وَلاَ يُزَوِّجُ الْمَغْلُوبَةَ عَلَى عَقْلِهَا أَحَدٌ غَيْرُ الْآبَاءِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ آبَاءٌ رُفِعَتْ إلَى السُّلْطَانِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَ الزَّوْجَ مَا اُشْتُهِرَ عِنْدَهُ أَنَّهَا مَغْلُوبَةٌ عَلَى عَقْلِهَا، فَإِنْ يُقْدِمْ عَلَى ذَلِكَ زَوَّجَهَا إيَّاهُ وَإِنَّمَا مَنَعْتُ الْوُلاَةَ غَيْرَ الْآبَاءِ تَزْوِيجَ الْمَغْلُوبَةِ عَلَى عَقْلِهَا أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِوَلِيٍّ غَيْرِ الْآبَاءِ أَنْ يُزَوِّجَ امْرَأَةً إلَّا بِرِضَاهَا فَلَمَّا كَانَتْ مِمَّنْ لاَ رِضَا لَهَا لَمْ يَكُنْ النِّكَاحُ لَهُمْ تَامًّا وَإِنَّمَا أَجَزْت لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُنْكِحَهَا لِأَنَّهَا قَدْ بَلَغَتْ أَوْ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى النِّكَاحِ وَأَنَّ فِي النِّكَاحِ لَهَا عَفَافًا وَغِنَاءً وَرُبَّمَا كَانَ لَهَا فِيهِ شِفَاءٌ وَكَانَ إنْكَاحُهُ إيَّاهَا كَالْحُكْمِ لَهَا وَعَلَيْهَا، وَإِنْ أَفَاقَتْ فَلاَ خِيَارَ لَهَا وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهَا إلَّا كُفُؤًا، وَإِذَا أَنْكَحَهَا فَنِكَاحُهُ ثَابِتٌ وَتَرِثُ وَتُورَثُ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى عَقْلِهَا مِنْ مَرَضٍ أَوْ بِرْسَامٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُنْكِحَهَا حَتَّى يَتَأَنَّى بِهَا فَإِنْ أَفَاقَتْ أَنْكَحَهَا الْوَلِيُّ مَنْ كَانَ بِإِذْنِهَا، وَإِنْ لَمْ تُفِقْ حَتَّى طَالَ ذَلِكَ وَيُؤَيَّسُ مِنْ إفَاقَتِهَا زَوَّجَهَا الْأَبُ أَوْ السُّلْطَانُ وَإِنْ كَانَ بِهَا مَعَ ذَهَابِ الْعَقْلِ جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ أَعْلَمَ ذَلِكَ الزَّوْجَ قَبْلَ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَإِنْ كَانَ بِهَا ضَنًى يَرَى أَهْلُ الْخِبْرَةِ بِهَا أَنَّهَا لاَ تُرِيدُ النِّكَاحَ مَعَهُ لَمْ أَرَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَإِنْ زَوَّجَهَا لَمْ أُرِدْ تَزْوِيجَهُ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ ازْدِيَادٌ لَهَا لاَ مُؤْنَةٌ عَلَيْهَا فِيهِ، وَسَوَاءٌ إذَا كَانَتْ مَغْلُوبَةً عَلَى عَقْلِهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا لاَ يُزَوِّجُهَا إلَّا أَبٌ أَوْ سُلْطَانٌ بِلاَ أَمْرِهَا لِأَنَّهُ لاَ أَمْرَ لَهَا‏.‏

نِكَاحُ الصِّغَارِ وَالْمَغْلُوبِينَ عَلَى عُقُولِهِمْ مِنْ الرِّجَالِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ فِي الْكَبِيرِ الْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ‏:‏ لِأَبِيهِ أَنْ يُزَوِّجَهُ لِأَنَّهُ لاَ أَمْرَ لَهُ فِي نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ وَهُوَ مُفِيقٌ فِي أَنْ يُزَوِّجَ فَإِذَا أَذِنَ فِيهِ زَوَّجَهُ وَلاَ أَرُدُّ إنْكَاحَهُ إيَّاهُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ غَيْرَ الْآبَاءِ أَنْ يُزَوِّجُوا الْمَغْلُوبَ عَلَى عَقْلِهِ لِأَنَّهُ لاَ أَمْرَ لَهُ فِي نَفْسِهِ وَيُرْفَعُ إلَى الْحَاكِمِ فَيَسْأَلُ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى التَّزْوِيجِ ذَكَرَ لِلْمُزَوَّجَةِ فَإِنْ رَضِيَتْ زَوَّجَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَحْتَاجُ إلَى التَّزْوِيجِ فِيمَا يَرَى بِزَمَانَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُزَوِّجَهُ وَلاَ لِأَبِيهِ أَنْ يَكُونَ تَزْوِيجُهُ لِيُخْدَمَ فَيَجُوزَ تَزْوِيجُهُ لِذَلِكَ، وَلِلْآبَاءِ مَا لِلْأَبِ فِي الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ وَفِي الصَّغِيرَةِ وَالْمَرْأَةِ الْبِكْرِ وَلِلْآبَاءِ تَزْوِيجُ الِابْنِ الصَّغِيرِ وَلاَ خِيَارَ لَهُ إذَا بَلَغَ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِسُلْطَانٍ وَلاَ وَلِيٍّ وَإِنْ زَوَّجَهُ سُلْطَانٌ أَوْ وَلِيٌّ غَيْرُ الْآبَاءِ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ لِأَنَّا إنَّمَا نُجِيزُ عَلَيْهِ أَمْرَ الْأَبِ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي النَّظَرِ لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي نَفْسِهِ أَمْرٌ وَلاَ يَكُونُ لَهُ خِيَارٌ إذَا بَلَغَ فَأَمَّا غَيْرُ الْأَبِ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَلَوْ كَانَ الصَّبِيُّ مَجْبُوبًا أَوْ مَخْبُولاً فَزَوَّجَهُ أَبُوهُ كَانَ نِكَاحُهُ مَرْدُودًا لِأَنَّهُ لاَ يَحْتَاجُ إلَى النِّكَاحِ قَالَ وَإِذَا زَوَّجَ الْمَغْلُوبَ عَلَى عَقْلِهِ فَلَيْسَ لِأَبِيهِ وَلاَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُخَالِعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَلاَ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَلَيْهِ، وَلاَ يُزَوَّجُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَّا بَالِغًا وَبَعْدَ مَا يُسْتَدَلُّ عَلَى حَاجَتِهِ إلَى النِّكَاحِ وَلَوْ طَلَّقَهَا لَمْ يَكُنْ طَلاَقُهُ طَلاَقًا، وَكَذَلِكَ لَوْ آلَى مِنْهَا أَوْ تَظَاهَرَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إيلاَءٌ وَلاَ ظِهَارٌ لِأَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَذَفَهَا وَانْتَفَى وَلَدَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُلاَعِنَ وَيَلْزَمُهُ الْوَلَدُ وَلَوْ قَالَتْ هُوَ عِنِّينٌ لاَ يَأْتِينِي لَمْ تَضْرِبْ لَهُ أَجَلاً وَذَلِكَ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَقَدْ يَأْتِيهَا وَتَجْحَدُ وَهُوَ لَوْ كَانَ صَحِيحًا جُعِلَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَقَدْ تَمْتَنِعُ مِنْ أَنْ يَنَالَهَا فَلاَ يَعْقِلُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ بِالْقَوْلِ أَنَّهَا تَمْتَنِعُ وَيَمْتَنِعُ وَيُؤْمَرُ إشَارَةً بِإِصَابَتِهَا وَلَوْ ارْتَدَّ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ عَنْهُ وَلَوْ ارْتَدَّتْ هِيَ فَلَمْ تَعُدْ إلَى الْإِسْلاَمِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ بَانَتْ مِنْهُ وَهَكَذَا إذَا نَكَحَتْ الْمَغْلُوبَةُ عَلَى عَقْلِهَا لَمْ يَكُنْ لِأَبِيهَا وَلاَ لِوَلِيٍّ غَيْرِهِ أَنْ يُخَالِعَ عَنْهَا بِدِرْهَمٍ مِنْ مَالِهَا وَلاَ يُبْرِئُ زَوْجَهَا مِنْ نَفَقَتِهَا وَلاَ شَيْءَ وَجَبَ لَهَا عَلَيْهِ فَإِنْ هَرَبَتْ أَوْ امْتَنَعَتْ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ نَفَقَةٌ مَا دَامَتْ هَارِبَةً أَوْ مُمْتَنِعَةً وَإِنْ آلَى مِنْهَا وَطَلَبَ وَلِيُّهَا وَقْفَهُ قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ وَفِئْ أَوْ طَلِّقْ وَلاَ يُجْبَرُ عَلَى طَلاَقٍ كَمَا لاَ يُجْبَرُ لَوْ طَلَبَتْهُ هِيَ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ عِنِّينًا لَمْ يُؤَجِّلْ لَهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ هَذَا شَيْءٌ إنْ كَانَتْ صَحِيحَةً كَانَ لَهَا طَلَبُهُ لِتُعْطَاهُ أَوْ يُفَارِقَ وَإِنْ تَرَكَتْهُ لَمْ يَحْمِلْ فِيهِ الزَّوْجُ عَلَى الْفِرَاقِ لِأَنَّ الْفِرَاقَ إنَّمَا يَكُونُ بِرِضَاهَا وَامْتِنَاعِهِ مِنْ الْفَيْءِ فَلاَ يَكُونُ لِأَحَدٍ طَلَبٌ أَنْ يُفَارِقَ بِحُكْمٍ يَلْزَمُ زَوْجَهَا غَيْرُهَا وَهِيَ مِمَّنْ لاَ طَلَبَ لَهُ وَلَوْ طَلَبَتْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى الزَّوْجِ وَهَكَذَا الصَّبِيَّةُ الَّتِي لاَ تَعْقِلُ فِي كُلِّ مَا وَصَفْت‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ قَذَفَ الْمَجْنُونَةَ وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا قِيلَ لَهُ إنْ أَرَدْت أَنْ تَنْفِيَ الْوَلَدَ بِاللِّعَانِ فَالْتَعِنْ فَإِذَا الْتَعَنَ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا وَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا أَبَدًا وَلاَ يُرَدَّ عَلَيْهِ وَيُنْفَى عَنْهُ الْوَلَدُ وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ أُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَلاَ يُعَزَّرُ وَلَمْ يَنْكِحْهَا أَبَدًا فَإِنْ أَبَى أَنْ يَلْتَعِنَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَالْوَلَدُ وَلَدُهُ وَلاَ يُعَزَّرُ لَهَا، قَالَ وَأَيُّ وَلَدٍ وَلَدَتْهُ مَا كَانَتْ فِي مِلْكِهِ لَزِمَهُ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ، وَإِنْ وُجِدَ مَعَهَا وَلَدٌ فَقَالَ لَمْ تَلِدْهُ وَلاَ قَافَةَ وريئت تَدِرُّ عَلَيْهِ وَتُرْضِعُهُ وَتَحْنُوا عَلَيْهِ حُنُوَّ الْأُمِّ لَمْ تَكُنْ أُمُّهُ إلَّا بِأَنْ يَشْهَدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ أَوْ يُقِرَّ هُوَ بِأَنَّهَا وَلَدَتْهُ فَيُلْحِقَهُ، وَإِنْ كَانَتْ قَافَةٌ فَأَلْحَقُوهُ بِهَا فَهُوَ وَلَدُهُ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ، وَلَيْسَ لِلْأَبِ فِي الصَّبِيَّةِ وَالْمَغْلُوبَةِ عَلَى عَقْلِهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا عَبْدًا وَلاَ غَيْرَ كُفْءٍ لَهَا، وَأَنْظُرُ كُلَّ امْرَأَةٍ كَانَتْ بَالِغًا ثَيِّبًا فَدَعَتْ إلَيْهِ كَانَ لِأَبِيهَا وَوَلِيِّهَا مَنْعُهَا مِنْهُ وَلَيْسَ لِلْأَبِ عَلَيْهَا إدْخَالُهَا فِيهِ وَلاَ لِلْأَبِ وَلاَ لِلسُّلْطَانِ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُزَوِّجَهَا مَجْبُوبًا وَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُكْرِهَ أَمَتَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ بِنِكَاحٍ وَلَهُ أَنْ يَهَبَهَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ وَيَبِيعَهَا مِنْهُ وَلاَ لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ أَنْ يُزَوِّجَهُ مَجْنُونَةً وَلاَ جَذْمَاءَ وَلاَ بَرْصَاءَ وَلاَ مَغْلُوبَةً عَلَى عَقْلِهَا وَلاَ امْرَأَةً لاَ تُطِيقُ جِمَاعًا بِحَالٍ وَلاَ أَمَةً وَإِنْ كَانَ لاَ يَجِدُ طَوْلاً لِحُرَّةٍ لِأَنَّهُ مِمَّنْ لاَ يَخَافُ الْعَنَتَ‏.‏

النِّكَاحُ بِالشُّهُودِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلاَ نِكَاحَ لِلْأَبِ فِي ثَيِّبٍ وَلاَ لِوَلِيٍّ غَيْرِ الْأَبِ فِي بِكْرٍ وَلاَ ثَيِّبٍ غَيْرِ مَغْلُوبَةٍ عَلَى عَقْلِهَا حَتَّى يَجْمَعَ النِّكَاحُ أَرْبَعًا أَنْ تَرْضَى الْمَرْأَةُ الْمُزَوَّجَةُ وَهِيَ بَالِغٌ وَالْبُلُوغُ أَنْ تَحِيضَ أَوْ تَسْتَكْمِلَ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً وَيَرْضَى الزَّوْجُ الْبَالِغُ وَيُنْكِحُ الْمَرْأَةَ وَلِيٌّ لاَ أَوْلَى مِنْهُ أَوْ السُّلْطَانُ وَيَشْهَدُ عَلَى عَقْدِ النِّكَاحِ شَاهِدَانِ عَدْلاَنِ فَإِنْ نَقَصَ النِّكَاحُ وَاحِدًا مِنْ هَذَا كَانَ فَاسِدًا، قَالَ وَلِأَبِي الْبِكْرِ أَنْ يُزَوِّجَهَا صَغِيرَةً وَكَبِيرَةً بِغَيْرِ أَمْرِهَا وَأَحَبُّ إلَيَّ إنْ كَانَتْ بَالِغًا أَنْ يَسْتَأْمِرَهَا وَذَلِكَ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ فِي أَمَتِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ فِي عَبْدِهِ وَلاَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ غَيْرِ الْآبَاءِ فِي الْبِكْرِ وَهَكَذَا لِأَبِي الْمَجْنُونَةِ الْبَالِغِ أَنْ يُزَوِّجَهَا تَزْوِيجَ الصَّغِيرَةِ الْبِكْرِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْآبَاءِ إلَّا السُّلْطَانَ‏.‏

النِّكَاحُ بِالشُّهُودِ أَيْضًا أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ وَسَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خَيْثَمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لاَ نِكَاحَ إلَّا بِشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَوَلِيٍّ مُرْشِدٍ وَأَحْسَبُ مُسْلِمَ بْنَ خَالِدٍ قَدْ سَمِعَهُ مِنْ ابْنِ خَيْثَمٍ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ أُتِيَ عُمَرُ بِنِكَاحٍ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ إلَّا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَقَالَ هَذَا نِكَاحُ السِّرِّ وَلاَ أُجِيزُهُ وَلَوْ كُنْت تَقَدَّمْت فِيهِ لَرَجَمْت قَالَ وَلَوْ شَهِدَ النِّكَاحَ مَنْ لاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ كَثُرُوا مِنْ أَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ شَهَادَةُ عَبِيدٍ مُسْلِمِينَ أَوْ أَهْلِ ذِمَّةٍ لَمْ يَجُزْ النِّكَاحُ حَتَّى يَنْعَقِدَ بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ قَالَ‏:‏ وَإِذَا كَانَا الشَّاهِدَانِ لاَ يُرَدَّانِ مِنْ جِهَةِ التَّعْدِيلِ وَلاَ الْحُرِّيَّةِ وَلاَ الْبُلُوغِ وَلاَ عِلَّةَ فِي أَنْفُسِهِمَا خَاصَّةً جَازَ النِّكَاحُ، قَالَ وَإِذَا كَانَا عَدْلَيْنِ عَدُوَّيْنِ لِلْمَرْأَةِ أَوْ لِلرَّجُلِ فَتَصَادَقَ الزَّوْجَانِ عَلَى النِّكَاحِ جَازَتْ الشَّهَادَةُ لِأَنَّهَا شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ وَإِنْ تَجَاحَدَا لَمْ يَجُزْ النِّكَاحُ لِأَنِّي لاَ أُجِيزُ شَهَادَتَهُمَا عَلَى عَدُوَّيْهِمَا وَأَحْلَفْت الْجَاحِدَ مِنْهُمَا فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ رَدَدْت الْيَمِينَ عَلَى صَاحِبِهِ فَإِنْ حَلَفَ أُثْبِتْ لَهُ النِّكَاحَ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَمْ أُثْبِتْ لَهُ نِكَاحًا‏.‏

وَإِنْ رُئِيَ رَجُلٌ يَدْخُلُ عَلَى امْرَأَةٍ فَقَالَتْ زَوْجِي وَقَالَ زَوْجَتِي نَكَحْتهَا بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ ثَبَتَ النِّكَاحُ وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْ الشَّاهِدَيْنِ‏:‏ قَالَ وَلَوْ عُقِدَ النِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ ثُمَّ أَشْهَدَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى حِيَالِهِ وَأَشْهَدَتْ وَوَلِيُّهَا عَلَى حِيَالِهِمَا لَمْ يَجُزْ النِّكَاحُ وَلاَ نُجِيزُ نِكَاحًا إلَّا نِكَاحًا عُقِدَ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ وَمَا وَصَفْت مَعَهُ وَلاَ يَكُونُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالنِّكَاحِ غَيْرَ جَائِزٍ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِتَجْدِيدِ نِكَاحٍ غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ الشَّاهِدَانِ عَدْلَيْنِ حِين حَضَرَا النِّكَاحَ ثُمَّ سَاءَتْ حَالُهُمَا حَتَّى رُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا فَتَصَادَقَا أَنَّ النِّكَاحَ قَدْ كَانَ وَالشَّاهِدَانِ عَدْلاَنِ أَوْ قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ جَازَ وَإِنْ قَالاَ كَانَ النِّكَاحُ وَهُمَا بِحَالِهِمَا لَمْ يَجُزْ وَقَالَ إنَّمَا أَنْظُرُ فِي عُقْدَةِ النِّكَاحِ وَلاَ أَنْظُرُ أَيْنَ يَقُومَانِ هَذَا يُخَالِفُ الشَّهَادَةَ عَلَى الْحَقِّ غَيْرَ النِّكَاحِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الشَّهَادَةُ عَلَى الْحَقِّ يَوْمَ يَقَعُ الْحُكْمُ وَلاَ يَنْظُرُ إلَى حَالَ الشَّاهِدَيْنِ قَبْلُ وَالشَّهَادَةُ عَلَى النِّكَاحِ يَوْمَ يَقَعُ الْعَقْدُ قَالَ‏:‏ وَلَوْ جَهِلاَ حَالَ الشَّاهِدَيْنِ وَتَصَادَقَا عَلَى النِّكَاحِ بِشَاهِدَيْنِ جَازَ النِّكَاحُ وَكَانَا عَلَى الْعَدْلِ حَتَّى أَعْرِفَ الْجُرْحَ يَوْمَ وَقَعَ النِّكَاحُ وَإِذَا وَقَعَ النِّكَاحُ ثُمَّ أَمَرَهُ الزَّوْجَانِ بِكِتْمَانِ النِّكَاحِ وَالشَّاهِدَيْنِ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَأَكْرَهُ لَهُمَا السِّرَّ لِئَلَّا يَرْتَابَ بِهِمَا‏.‏

مَا جَاءَ فِي النِّكَاحِ إلَى أَجَلٍ وَنِكَاحُ مَنْ لَمْ يُولَدْ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ قَدْ زَوَّجْتُكِ حَمْلَ امْرَأَتِي وَقَبِلَتْ ذَلِكَ الْمَرْأَةُ أَوْ أَوَّلَ وَلَدٍ تَلِدُهُ امْرَأَتِي وَقَبِلَتْ ذَلِكَ الْمَرْأَةُ أَوْ قَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ فِي حَبَلِ امْرَأَتِهِ قَدْ زَوَّجْتُكَ أَوَّلَ جَارِيَةٍ تَلِدُهَا امْرَأَتِي وَقَبِلَ الرَّجُلُ فَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا نِكَاحًا أَبَدًا وَلاَ نِكَاحَ لِمَنْ لَمْ يُولَدْ‏:‏ أَلاَ تَرَى أَنَّهَا قَدْ لاَ تَلِدُ جَارِيَةً وَقَدْ لاَ تَلِدُ غُلاَمًا أَبَدًا فَإِذَا كَانَ الْكَلاَمُ مُنْعَقِدًا عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ لَمْ يَجُزْ وَلاَ يَجُوزُ النِّكَاحُ إلَّا عَلَى عَيْنٍ بِعَيْنِهَا وَلَوْ قَالَ الرَّجُلُ‏:‏ إذَا كَانَ غَدًا فَقَدْ زَوَّجْتُك ابْنَتِي وَقَبِلَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ إذَا كَانَ غَدًا فَقَدْ زَوَّجْت ابْنِي ابْنَتَك وَقَبِلَ أَبُو الْجَارِيَةِ وَالْغُلاَمُ وَالْجَارِيَةُ صَغِيرَانِ لَمْ يَجُزْ لَهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَدًا وَقَدْ مَاتَ ابْنُهُ أَوْ ابْنَتُهُ أَوْ هُمَا، وَإِذَا انْعَقَدَ النِّكَاحُ وَانْعِقَادُهُ الْكَلاَمُ بِهِ فَكَانَ فِي وَقْتٍ لاَ يَحِلُّ لَهُ فِيهِ الْجِمَاعُ وَلاَ يَتَوَارَثُ الزَّوْجَانِ لَمْ يَجُزْ وَكَانَ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْمُتْعَةِ الَّتِي تَكُونُ زَوْجَةً فِي أَيَّامٍ وَغَيْرِ زَوْجَةٍ فِي أَيَّامٍ وَفِي أَكْثَرَ مِنْ مَعْنَى الْمُتْعَةِ، لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَتْ مُدَّةٌ بَعْدَ الْعَقْدِ لَمْ يُوجَبْ فِيهَا النِّكَاحُ وَلاَ يَكُونُ هَذَا نِكَاحًا عِنْدَنَا وَلاَ عِنْدَ مَنْ أَجَازَ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ هَذَا أَفْسَدُ مِنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ‏.‏

مَا يَجِبُ بِهِ عَقْدُ النِّكَاحِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا خَطَبَ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ زَوْجَتِي فُلاَنَةُ أَوْ وَكِيلُ الرَّجُلِ عَلَى مَنْ وَكَّلَهُ فَقَالَ ذَلِكَ أَوْ أَبُو الصَّبِيِّ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ الْمَرْأَةَ إلَى وَلِيِّهَا بَعْدَمَا أَذِنَتْ فِي إنْكَاحِ الْخَاطِبِ أَوْ الْمَخْطُوبِ عَلَيْهِ فَقَالَ الْوَلِيُّ قَدْ زَوَّجْتُك فُلاَنَةَ الَّتِي سَمَّى فَقَدْ لَزِمَ النِّكَاحُ وَلاَ احْتِيَاجَ إلَى أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ أَوْ مَنْ وَلِيَ عَقْدَ نِكَاحِهِ بِوَكَالَتِهِ قَدْ قَبِلْت إذَا بَدَأَ فَخَطَبَ فَأُجِيبَ بِالنِّكَاحِ‏.‏

قَالَ وَلَوْ احْتَجْت إلَى هَذَا لَمْ أُجِزْ نِكَاحًا أَبَدًا إلَّا بِأَنْ يُوَلِّيَ الرَّجُلُ وَتُوَلِّيَ الْمَرْأَةُ رَجُلاً وَاحِدًا فَيُزَوِّجَهُمَا، وَذَلِكَ أَنِّي إذَا احْتَجْت إلَى أَنْ يَقُولَ الْخَاطِبُ وَقَدْ بَدَأَ بِالْخِطْبَةِ إذَا زَوَّجَ قَدْ قَبِلْت لِأَنِّي لاَ أَدْرِي مَا بَدَا لِلْخَاطِبِ احْتَجْت إلَى أَنْ يَقُولَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ قَدْ أَجَزْت لِأَنِّي لاَ أَدْرِي مَا بَدَا لَهُ إنْ كَانَ إذَا زَوَّجَ لَمْ يَثْبُتْ النِّكَاحُ إلَّا بِإِحْدَاثِ الْمُنْكِحِ قَبُولاً لِلنِّكَاحِ ثُمَّ احْتَجْت إلَى أَنْ أَرُدَّ الْقَوْلَ عَلَى الزَّوْجِ ثُمَّ هَكَذَا عَلَى وَلِيِّ الْمَرْأَةِ فَلاَ يَجُوزُ بِهَذَا الْمَعْنَى نِكَاحٌ أَبَدًا، وَلاَ يَجُوزُ إلَّا بِمَا وَصَفْت مِنْ أَنْ يَلِيَ عَلَيْهِمَا وَاحِدٌ بِوَكَالَتِهِمَا‏.‏

وَلَكِنْ لَوْ بَدَأَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ فَقَالَ لِرَجُلٍ قَدْ زَوَّجْتُك ابْنَتِي لَمْ يَكُنْ نِكَاحًا حَتَّى يَقُولَ الرَّجُلُ قَدْ قَبِلْت لِأَنَّ هَذَا ابْتِدَاءُ كَلاَمٍ لَيْسَ جَوَابَ مُخَاطَبَةٍ وَإِنْ خَطَبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَلَمْ يُجِبْهُ الْأَبُ حَتَّى يَقُولَ الْخَاطِبُ قَدْ رَجَعْت فِي الْخُطْبَةِ فَزَوَّجَهُ الْأَبُ بَعْدَ رُجُوعِهِ كَانَ النِّكَاحُ مَفْسُوخًا لِأَنَّهُ زَوَّجَ غَيْرَ خَاطِبٍ إلَّا أَنْ يَقُولَ بَعْدَ تَزْوِيجِ الْأَبِ قَدْ قَبِلْت، وَلَوْ خَطَبَ رَجُلٌ إلَى رَجُلٍ فَلَمْ يُجِبْهُ الرَّجُلُ حَتَّى غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ ثُمَّ زَوَّجَهُ لَمْ يَكُنْ هَذَا نِكَاحًا لِأَنَّهُ عُقْدَةُ مَنْ قَدْ بَطَلَ كَلاَمُهُ وَمَنْ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا وَهَكَذَا لَوْ كَانَ الْخَاطِبُ الْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ بَعْدَ أَنْ يَخْطُبَ وَقَبْلَ أَنْ يُزَوِّجَ وَلَكِنْ لَوْ عَقَدَ عَلَيْهِ ثُمَّ غَلَبَ عَلَى عَقْلِهِ كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا إذَا عَقَدَ وَمَعَهُ عَقْلُهُ وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي امْرَأَةٍ أَذِنَتْ فِي أَنْ تَنْكِحَ فَلَمْ تَنْكِحَ حَتَّى غُلِبَتْ عَلَى عَقْلِهَا ثُمَّ أَنُكِحَتْ بَعْدَ الْغَلَبَةِ عَلَى عَقْلِهَا كَانَ النِّكَاحُ مَفْسُوخًا لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهَا شَيْءٌ مِنْ النِّكَاحِ حَتَّى غُلِبَ عَلَى عَقْلِهَا فَبَطَلَ إذْنُهَا وَهَذَا كَمَا قُلْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا، قَالَ وَلَوْ زُوِّجَتْ قَبْلَ أَنْ تُغْلَبَ عَلَى عَقْلِهَا ثُمَّ غُلِبَتْ بَعْدَ التَّزْوِيجِ عَلَى عَقْلِهَا لَزِمَهَا النِّكَاحُ‏.‏

وَلَوْ قَالَ الرَّجُلُ لِأَبِي الْمَرْأَةِ أَتُزَوِّجُنِي فُلاَنَةَ‏؟‏ فَقَالَ قَدْ زَوَّجْتُكَهَا لَمْ يَثْبُتُ النِّكَاحُ حَتَّى يَقْبَلَ الْمُزَوَّجُ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ خِطْبَةً وَهَذَا اسْتِفْهَامٌ، وَإِذَا خَطَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ وَلَمْ يُسَمِّ صَدَاقًا فَزَوَّجَهُ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ، وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا‏.‏

وَلَوْ سَمَّى صَدَاقًا فَزَوَّجَهُ بِإِذْنِهَا كَانَ الصَّدَاقُ لَهُ وَلَهَا لاَزِمًا‏.‏

مَا يَحْرُمُ مِنْ النِّسَاءِ بِالْقَرَابَةِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ‏}‏ الْآيَةُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْأُمَّهَاتُ أُمُّ الرَّجُلِ الْوَالِدَةُ وَأُمَّهَاتُهَا وَأُمَّهَاتُ آبَائِهِ وَإِنْ بَعُدَتْ الْجَدَّاتُ لِأَنَّهُنَّ يَلْزَمُهُنَّ اسْمُ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتُ بَنَاتُ الرَّجُلِ لِصُلْبِهِ وَبَنَاتُ بَنِيهِ وَبَنَاتُهُنَّ وَإِنْ سَفُلْنَ فَكُلُّهُنَّ يَلْزَمُهُنَّ اسْمُ الْبَنَاتِ كَمَا لَزِمَ الْجَدَّاتِ اسْمُ الْأُمَّهَاتِ وَإِنْ عَلَوْنَ وَتَبَاعَدْنَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلُوا وَالْأَخَوَاتُ مِنْ وَلَدِ أَبِيهِ لِصُلْبِهِ أَوْ أُمِّهِ نَفْسِهَا وَعَمَّاتِهِ مِنْ وَلَدِ جَدِّهِ الْأَدْنَى أَوْ الْأَقْصَى وَمَنْ فَوْقَهُمَا مِنْ أَجْدَادِهِ وَخَالاَتِهِ مِنْ وَالِدَتِهِ أُمِّ أُمِّهِ وَأُمِّهَا وَمَنْ فَوْقَهُمَا مِنْ جَدَّاتِهِ مِنْ قَبْلِهَا وَبَنَاتُ الْأَخِ كُلُّ مَا وَلَدَ الْأَخُ لِأَبِيهِ أَوْ لِأُمِّهِ أَوْ لَهُمَا مِنْ وَلَدٍ وَلَدَتْهُ وَالِدَتُهُ فَكُلُّهُمْ بَنُو أَخِيهِ وَإِنْ تَسَفَّلُوا وَهَكَذَا بَنَاتُ الْأُخْتِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْأُخْتَ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَاحْتَمَلَ تَحْرِيمُهَا مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا إذْ ذَكَرَ اللَّهُ تَحْرِيمَ الْأُمِّ وَالْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَأَقَامَهُمَا فِي التَّحْرِيمِ مُقَامَ الْأُمِّ وَالْأُخْتِ مِنْ النَّسَبِ أَنْ تَكُونَ الرَّضَاعَةُ كُلُّهَا تَقُومُ مَقَامَ النَّسَبِ فَمَا حَرُمَ بِالنَّسَبِ حَرُمَ بِالرَّضَاعِ مِثْلِهِ وَبِهَذَا نَقُولُ بِدَلاَلَةِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْقُرْآنِ وَالْآخَرُ أَنْ يَحْرُمَ مِنْ الرَّضَاعِ الْأُمُّ وَالْأُخْتُ وَلاَ يَحْرُمُ سُوَاهُمَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَأَيْنَ دَلاَلَةُ السُّنَّةِ بِأَنَّ الرَّضَاعَةَ تَقُومُ مَقَامَ النَّسَبِ‏؟‏ قِيلَ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلاَدَةِ»‏.‏

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ «عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَهَا وَأَنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ رَجُلٍ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِك فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرَاهُ فُلاَنًا لِعَمِّ حَفْصَةَ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ كَانَ فُلاَنٌ حَيًّا لِعَمِّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ أَيَدْخُلُ عَلَيَّ‏؟‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ إنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلاَدَةِ» أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ سَمِعَتْ ابْنَ جُدْعَانَ قَالَ سَمِعَتْ ابْنَ الْمُسَيِّبِ يُحَدِّثُ «عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَك فِي ابْنَةِ عَمِّك بِنْتِ حَمْزَةَ فَإِنَّهَا أَجْمَلُ فَتَاةٍ فِي قُرَيْشٍ فَقَالَ أَمَا عَلِمْت أَنَّ حَمْزَةَ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا حَرَّمَ مِنْ النَّسَبِ»‏؟‏ أَخْبَرَ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ابْنَةِ حَمْزَةَ‏؟‏ مِثْلَ حَدِيثِ سُفْيَانَ فِي بِنْتِ حَمْزَةَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَفِي نَفْسِ السُّنَّةِ أَنَّهُ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلاَدَةِ وَأَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ يُحَرِّمُ كَمَا يُحَرِّمُ وِلاَدَةُ الْأَبِ يُحَرِّمُ لَبَنُ الْأَبِ لاَ اخْتِلاَفَ فِي ذَلِكَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَأَرْضَعَتْ إحْدَاهُمَا غُلاَمًا وَأَرْضَعَتْ الْأُخْرَى جَارِيَةً فَقِيلَ لَهُ هَلْ يَتَزَوَّجُ الْغُلاَمُ الْجَارِيَةَ‏؟‏ فَقَالَ لاَ، اللِّقَاحُ وَاحِدٌ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَطَاءً عَنْ لَبَنِ الْفَحْلِ أَيُحَرِّمُ‏؟‏ فَقَالَ نَعَمْ فَقُلْت لَهُ أَبَلَغَك مَنْ ثَبَتَ‏؟‏ فَقَالَ نَعَمْ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ عَطَاءٌ «وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ» فَهِيَ أُخْتُك مِنْ أَبِيك، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الشَّعْثَاءِ يَرَى لَبَنَ الْفَحْلِ يُحَرِّمُ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ لَبَنُ الْفَحْلِ يُحَرِّمُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَمَاتَتْ أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا لَمْ أَرَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ أُمَّهَا لِأَنَّ الْأُمَّ مُبْهَمَةُ التَّحْرِيمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ فِيهَا شَرْطٌ إنَّمَا الشَّرْطُ فِي الرَّبَائِبِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْمُفْتِينَ وَقَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ سُئِلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَفَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا هَلْ تَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا‏؟‏ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ لاَ الْأُمُّ مُبْهَمَةٌ لَيْسَ فِيهَا شَرْطٌ إنَّمَا الشَّرْطُ فِي الرَّبَائِبِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَكَذَا أُمَّهَاتُهَا وَإِنْ بَعُدْنَ وَجَدَّاتُهَا لِأَنَّهُنَّ مِنْ أُمَّهَاتِ نِسَائِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَتْ أَوْ طَلَّقَهَا فَكُلُّ بِنْتٍ لَهَا وَإِنْ سَفَلْنَ حَلاَلٌ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ‏}‏ فَلَوْ نَكَحَ امْرَأَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا ثُمَّ نَكَحَ ابْنَتَهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّ امْرَأَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِامْرَأَتِهِ لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ أُمَّهَاتِ نِسَائِهِ وَقَدْ كَانَتْ قَبْلُ مِنْ نِسَائِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَوْ كَانَ دَخَلَ بِالْأُمِّ لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْبِنْتُ وَلاَ أَحَدٌ مِمَّنْ وَلَدَتْهُ الْبِنْتُ أَبَدًا لِأَنَّهُنَّ رَبَائِبُهُ مِنْ امْرَأَتِهِ الَّتِي دَخَلَ بِهَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ‏}‏ فَأَيُّ امْرَأَةٍ نَكَحَهَا رَجُلٌ حُرِّمَتْ عَلَى أَبِيهِ دَخَلَ بِهَا الِابْنُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَكَذَلِكَ تَحْرُمُ عَلَى جَمِيعِ آبَائِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ لِأَنَّ الْأُبُوَّةَ تَجْمَعُهُمْ مَعًا وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ نَكَحَ وَلَدُ وَلَدِهِ مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ وَإِنْ سَفَلُوا لِأَنَّ الْأُبُوَّةَ تَجْمَعُهُمْ مَعًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ‏}‏ فَأَيُّ امْرَأَةٍ نَكَحَهَا رَجُلٌ حُرِّمَتْ عَلَى وَلَدِهِ دَخَلَ بِهَا الْأَبُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَكَذَلِكَ وَلَدُ وَلَدِهِ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَإِنْ سَفَلُوا لِأَنَّ الْأُبُوَّةَ تَجْمَعُهُمْ مَعًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَكُلُّ امْرَأَةِ أَبٍ أَوْ ابْنٍ حَرَّمْتهَا عَلَى ابْنِهِ أَوْ أَبِيهِ بِنَسَبٍ فَكَذَلِكَ أُحَرِّمُهَا إذَا كَانَتْ امْرَأَةَ أَبٍ أَوْ ابْنٍ مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ إنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ‏}‏ فَكَيْفَ حُرِّمَتْ حَلِيلَةُ الِابْنِ مِنْ الرَّضَاعَةِ‏؟‏ قِيلَ بِمَا وَصَفْت مِنْ جَمْعِ اللَّهِ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَالْأُمِّ وَالْأُخْتِ مِنْ النَّسَبِ فِي التَّحْرِيمِ ثُمَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» فَإِنْ قَالَ فَهَلْ تَعْلَمُ فِيمَ أُنْزِلَتْ ‏{‏وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ‏}‏ قِيلَ اللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فِيمَ أَنْزَلَهَا فَأَمَّا مَعْنَى مَا سَمِعْت مُتَفَرِّقًا فَجَمَعْته فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ نِكَاحَ ابْنَةَ جَحْشٍ فَكَانَتْ عِنْدَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَنَّاهُ فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذِكْرِهِ أَنْ يُدْعَى الْأَدْعِيَاءُ لِآبَائِهِمْ ‏{‏فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ مَوَالِيكُمْ وَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ‏}‏ الْآيَةُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَأَشْبَهَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ‏}‏ دُونَ أَدْعِيَائِكُمْ الَّذِينَ تُسَمُّونَهُمْ أَبْنَاءَكُمْ وَلاَ يَكُونُ الرَّضَاعِ مِنْ هَذَا فِي شَيْءٍ وَحَرَّمْنَا مِنْ الرَّضَاعِ بِمَا حَرَّمَ اللَّهُ قِيَاسًا عَلَيْهِ وَبِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلاَدَةِ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ‏}‏ وَفِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ‏}‏ كَانَ أَكْبَرُ وَلَدِ الرَّجُلِ يَخْلُفُ عَلَى امْرَأَةِ أَبِيهِ وَكَانَ الرَّجُلُ يَجْمَعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فَنَهَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ أَحَدٌ يَجْمَعُ فِي عُمْرِهِ بَيْنَ أُخْتَيْنِ أَوْ يَنْكِحَ مَا نَكَحَ أَبُوهُ إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ عِلْمِهِمْ بِتَحْرِيمِهِ لَيْسَ أَنَّهُ أَقَرَّ فِي أَيْدِيهِمْ مَا كَانُوا قَدْ جَمَعُوا بَيْنَهُ قَبْلَ الْإِسْلاَمِ كَمَا أَقَرَّهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نِكَاحِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِي لاَ يَحِلُّ فِي الْإِسْلاَمِ بِحَالٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَا حَرَّمْنَا عَلَى الْآبَاءِ مِنْ نِسَاءِ الْأَبْنَاءِ وَعَلَى الْأَبْنَاءِ مِنْ نِسَاءِ الْآبَاءِ وَعَلَى الرَّجُلِ مِنْ أُمَّهَاتِ نِسَائِهِ وَبَنَاتِ نِسَائِهِ اللَّاتِي دَخَلَ بِهِنَّ بِالنِّكَاحِ فَأُصِيبَ فَأَمَّا بِالزِّنَا فَلاَ حُكْمَ لِلزِّنَا يُحَرِّمُ حَلاَلاً فَلَوْ زَنَى رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ وَلاَ عَلَى ابْنِهِ وَلاَ عَلَى أَبِيهِ وَكَذَلِكَ لَوْ زَنَى بِأُمِّ امْرَأَتِهِ أَوْ بِنْتِ امْرَأَتِهِ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ فَزَنَى بِأُخْتِهَا لَمْ يَجْتَنِبْ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يَكُنْ جَامِعًا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ الْإِصَابَةُ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ احْتَمَلَ أَنْ يُحَرِّمَ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِيهِ النَّسَبُ وَيُؤْخَذُ فِيهِ الْمَهْرُ وَيُدْرَأُ فِيهِ الْحَدُّ وَتَكُونُ فِيهِ الْعِدَّةُ وَهَذَا حُكْمُ الْحَلاَلِ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَحْرُمَ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ وَاضِحًا فَلَوْ نَكَحَ رَجُلٌ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا فَأَصَابَهَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ عِنْدِي أَنْ يَنْكِحَ أُمَّهَا وَلاَ ابْنَتَهَا‏.‏

وَلاَ يَنْكِحُهَا أَبُوهُ وَلاَ ابْنُهُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْ النَّاكِحُ نِكَاحًا فَاسِدًا لَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْهِ النِّكَاحُ الْفَاسِدُ بِلاَ إصَابَةٍ فِيهِ شَيْئًا مِنْ قِبَلِ أَنَّ حُكْمَهُ لاَ يَكُونُ فِيهِ صَدَاقٌ وَلاَ يَلْحَقُ فِيهِ طَلاَقٌ وَلاَ شَيْءٌ مِمَّا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَدْ قَالَ غَيْرُنَا لاَ يُحَرِّمُ النِّكَاحُ الْفَاسِدُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ الْإِصَابَةُ كَمَا لاَ يُحَرِّمُ الزِّنَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْأَزْوَاجِ أَلاَ تَرَى أَنَّ الطَّلاَقَ لاَ يَلْحَقُهَا وَلاَ مَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَقَدْ قَالَ غَيْرُنَا وَغَيْرُهُ‏:‏ كُلُّ مَا حَرَّمَهُ الْحَلاَلُ فَالْحَرَامُ أَشَدُّ لَهُ تَحْرِيمًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَدْ وَصَفْنَا فِي كِتَابِ الِاخْتِلاَفِ، ذِكْرَ هَذَا وَغَيْرَهُ‏.‏ وَجَمَاعَةٌ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا أَثْبَتَ الْحُرْمَةَ بِالنَّسَبِ وَالصِّهْرِ وَجَعَلَ ذَلِكَ نِعْمَةً مِنْ نِعَمِهِ عَلَى خَلْقِهِ فَمَنْ حَرَّمَ مِنْ النِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ فَيُحَرِّمُهُ الرِّجَالُ عَلَيْهِنَّ وَلَهُنَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ الصِّهْرِ كَحُرْمَةِ النَّسَبِ وَذَلِكَ أَنَّهُ رَضِيَ النِّكَاحَ وَأَمَرَ بِهِ وَنَدَبَ إلَيْهِ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْحُرْمَةُ الَّتِي أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا عَلَى أَنَّ مَنْ أَبَى شَيْئًا دَعَاهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ كَالزَّانِي الْعَاصِي لِلَّهِ الَّذِي حَدَّهُ اللَّهُ وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ إلَّا أَنْ يَعْفُوَا عَنْهُ وَذَلِكَ أَنَّ التَّحْرِيمَ بِالنِّكَاحِ إنَّمَا هُوَ نِعْمَةٌ لاَ نِقْمَةٌ فَالنِّعْمَةُ الَّتِي تَثْبُتُ بِالْحَلاَلِ لاَ تَثْبُتُ بِالْحَرَامِ الَّذِي جَعَلَ اللَّه فِيهِ النِّقْمَةَ عَاجِلاً وَآجِلاً وَهَكَذَا لَوْ زَنَى رَجُلٌ بِأُخْتِ امْرَأَتِهِ لَمْ يَكُنْ هَذَا جَمْعًا بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَهَا الَّتِي زَنَى بِهَا مَكَانَهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا حُرِّمَ مِنْ الرَّضَاعِ مَا حُرِّمَ مِنْ النَّسَبِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ مِنْ بَنَاتِ الْأُمِّ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ وَإِنْ سَفَلْنَ وَبَنَاتِ بَنِيهَا وَبَنَاتِهَا وَكُلِّ مَنْ وَلَدَتْهُ مِنْ قِبَلِ وَلَدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى امْرَأَةٌ وَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُهَا وَكُلُّ مَنْ وُلِدَ لَهَا لِأَنَّهُنَّ بِمَنْزِلَةِ أُمَّهَاتِهِ وَأَخَوَاتِهِ وَكَذَلِكَ أَخَوَاتُهَا لِأَنَّهُنَّ خَالاَتُهُ وَكَذَلِكَ عَمَّاتُهَا وَخَالاَتُهَا لِأَنَّهُنَّ عَمَّاتُ أُمِّهِ وَخَالاَتُ أُمِّهِ وَكَذَلِكَ وَلَدُ الرَّجُلِ الَّذِي أَرْضَعَتْهُ لَبَنَهُ وَأُمَّهَاتُهُ وَأَخَوَاتُهُ وَخَالاَتُهُ وَعَمَّاتُهُ وَكَذَلِكَ مَنْ أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ الرَّجُلِ الَّذِي أَرْضَعَتْهُ مِنْ الْأُمِّ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ أَوْ غَيْرِهَا وَكَذَلِكَ مَنْ أُرْضِعَ بِلَبَنِ وَلَدِ الْمَرْأَةِ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ مِنْ أَبِيهِ الَّذِي أَرْضَعَهُ بِلَبَنِهِ أَوْ زَوْجٍ غَيْرِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا أَرْضَعَتْ الْمَرْأَةُ مَوْلُودًا فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ الْمُرْضِعَ أَبُوهُ وَيَتَزَوَّجَ ابْنَتَهَا وَأُمَّهَا لِأَنَّهَا لَمْ تُرْضِعْهُ هُوَ كَذَلِكَ إنْ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا الْأَبُ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا أَخُو الْمُرْضَعَ الَّذِي لَمْ تُرْضِعْهُ هُوَ لِأَنَّهُ لَيْسَ ابْنَهَا، وَكَذَلِكَ يَتَزَوَّجُ وَلَدَهَا وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْغُلاَمُ الْمُرْضَعُ ابْنَةَ عَمِّهِ وَابْنَةَ خَالِهِ مِنْ الرَّضَاعِ كَمَا لاَ يَكُونُ بِذَلِكَ بَأْسٌ مِنْ النَّسَبِ وَلاَ يَجْمَعُ الرَّجُلُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مِنْ الرَّضَاعَةِ بِنِكَاحٍ وَلاَ وَطْءِ مِلْكٍ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ وَذَوَاتِ الْمَحْرَمِ مِنْ الرَّضَاعَةِ مِمَّا يَحْرُمُ مِنْ نِكَاحِهِنَّ وَيُسَافَرُ بِهِنَّ كَذَوَاتِ الْمَحْرَمِ مِنْ النَّسَبِ وَسَوَاءٌ رَضَاعَةُ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ كُلُّهُنَّ أُمَّهَاتٌ وَكُلُّهُنَّ يَحْرُمْنَ كَمَا تَحْرُمُ الْحُرَّةُ لاَ فَرْقَ بَيْنَهُنَّ وَسَوَاءٌ وُطِئَتْ الْأَمَةُ بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ كُلُّ ذَلِكَ يَحْرُمُ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ وَامْرَأَةَ أَبِيهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَالنَّسَبِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ شَرِبَ غُلاَمٌ وَجَارِيَةٌ لَبَنَ بَهِيمَةٍ مِنْ شَاةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ نَاقَةٍ لَمْ يَكُنْ هَذَا رَضَاعًا إنَّمَا هَذَا كَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَلاَ يَكُونُ مُحَرَّمًا بَيْنَ مَنْ شَرِبَهُ إنَّمَا يَحْرُمُ لَبَنُ الْآدَمِيَّاتِ لاَ الْبَهَائِمِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ‏}‏ وَقَالَ فِي الرَّضَاعَةِ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ‏}‏ وَقَالَ عَزَّ ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَأَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ كَمَالَ الرَّضَاعِ حَوْلاَنِ وَجَعَلَ عَلَى الرَّجُلِ يُرْضَعُ لَهُ ابْنُهُ أَجْرُ الْمُرْضِعِ وَالْأَجْرُ عَلَى الرَّضَاعِ لاَ يَكُونُ إلَّا عَلَى مَا لَهُ مُدَّةٌ مَعْلُومَةٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالرَّضَاعُ اسْمٌ جَامِعٌ يَقَعُ عَلَى الْمَصَّةِ وَأَكْثَرَ مِنْهَا إلَى كَمَالِ رَضَاعِ الْحَوْلَيْنِ وَيَقَعُ عَلَى كُلِّ رَضَاعٍ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَلَمَّا كَانَ هَكَذَا وَجَبَ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ طَلَبُ الدَّلاَلَةِ هَلْ يُحَرِّمُ الرَّضَاعُ بِأَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الرَّضَاعِ أَوْ مَعْنًى مِنْ الرَّضَاعِ دُونَ غَيْرِهِ‏؟‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ «عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسْخِنْ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتَوَفَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ مِمَّا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ» أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِعَشْرِ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ صُيِّرْنَ إلَى خَمْسٍ يُحَرِّمْنَ فَكَانَ لاَ يَدْخُلُ عَلَى عَائِشَةَ إلَّا مَنْ اسْتَكْمَلَ خَمْسَ رَضَعَاتٍ‏.‏

أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْحَجَّاجِ أَظُنُّهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «لاَ يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ» أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «لاَ تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ وَلاَ الرَّضْعَةُ وَلاَ الرَّضْعَتَانِ» أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ امْرَأَةَ أَبِي حُذَيْفَةَ أَنْ تُرْضِعَ سَالِمًا خَمْسَ رَضَعَاتٍ تُحَرِّمُ بِلَبَنِهَا فَفَعَلَتْ فَكَانَتْ تَرَاهُ ابْنًا»‏.‏

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ أَرْسَلَتْ بِهِ وَهُوَ يَرْضَعُ إلَى أُخْتِهَا أُمِّ كُلْثُومٍ فَأَرْضَعَتْهُ ثَلاَثَ رَضَعَاتٍ ثُمَّ مَرِضَتْ فَلَمْ تُرْضِعْهُ غَيْرَ ثَلاَثِ رَضَعَاتٍ فَلَمْ أَكُنْ أَدْخُلُ عَلَى عَائِشَةَ مِنْ أَجْلِ أَنِّي لَمْ يَتِمَّ لِي عَشْرُ رَضَعَاتٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَمَرَتْ بِهِ عَائِشَةُ أَنْ يَرْضَعَ عَشْرًا لِأَنَّهَا أَكْثَرُ الرَّضَاعِ وَلَمْ يَتِمَّ لَهُ خَمْسٌ فَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهَا وَلَعَلَّ سَالِمًا أَنْ يَكُونَ ذَهَبَ عَلَيْهِ قَوْلُ عَائِشَةَ فِي الْعَشْرِ الرَّضَعَاتِ فَنُسْخِنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَحَدَّثَ عَنْهَا بِمَا عَلِمَ مِنْ أَنَّهُ أَرْضَعَ ثَلاَثًا فَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَعَلِمَ أَنَّ مَا أَمَرَتْ أَنْ يُرْضِعَ عَشْرًا فَرَأَى أَنَّهُ إنَّمَا يُحِلُّ الدُّخُولَ عَلَيْهَا عَشْرٌ وَإِنَّمَا أَخَذْنَا بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِكَايَةِ عَائِشَةَ أَنَّهُنَّ يُحَرِّمْنَ وَأَنَّهُنَّ مِنْ الْقُرْآنِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا خَمْسُ رَضَعَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ، وَذَلِكَ أَنْ يَرْضَعَ الْمَوْلُودُ ثُمَّ يَقْطَعَ الرَّضَاعَ ثُمَّ يَرْضَعَ، ثُمَّ يَقْطَعَ الرَّضَاعَ فَإِذَا رَضَعَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ مَا قَلَّ مِنْهُ وَكَثُرَ فَهِيَ رَضْعَةٌ، وَإِذَا قَطَعَ الرَّضَاعَ ثُمَّ عَادَ لِمِثْلِهَا أَوْ أَكْثَرَ فَهِيَ رَضْعَةٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ الْتَقَمَ الْمُرْضَعُ الثَّدْيَ ثُمَّ لَهَا بِشَيْءٍ قَلِيلاً ثُمَّ عَادَ كَانَتْ رَضْعَةً وَاحِدَةً وَلاَ يَكُونُ الْقَطْعُ إلَّا مَا انْفَصَلَ انْفِصَالاً بَيِّنًا كَمَا يَكُونُ الْحَالِفُ لاَ يَأْكُلُ بِالنَّهَارِ إلَّا مَرَّةً فَيَكُونُ يَأْكُلُ وَيَتَنَفَّسُ بَعْدَ الِازْدِرَادِ إلَى أَنْ يَأْكُلَ فَيَكُونُ ذَلِكَ مَرَّةً وَإِنْ طَالَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ قَطَعَ ذَلِكَ قَطْعًا بَيِّنًا بَعْدَ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ مِنْ الطَّعَامِ ثُمَّ أَكَلَ كَانَ حَانِثًا وَكَانَ هَذَا أَكْلَتَيْنِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ أَخَذَ ثَدْيَهَا الْوَاحِدَ فَأَنْفَدَ مَا فِيهِ ثُمَّ تَحَوَّلَ إلَى الْآخَرِ مَكَانَهُ فَأَنْفَدَ مَا فِيهِ كَانَتْ هَذِهِ رَضْعَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ الرَّضَاعَ قَدْ يَكُونُ بَقِيَّةَ النَّفَسِ وَالْإِرْسَالِ وَالْعَوْدَةِ كَمَا يَكُونُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ بَقِيَّةَ النَّفَسِ وَهُوَ طَعَامٌ وَاحِدٌ وَلاَ يُنْظَرُ فِي هَذَا إلَى قَلِيلِ رَضَاعِهِ وَلاَ كَثِيرِهِ إذَا وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ رَضْعَةٌ وَمَا لَمْ يُتِمَّ خَمْسًا لَمْ يَحْرُمْ بِهِنَّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْوَجُورُ كَالرَّضَاعِ وَكَذَلِكَ السَّعُوطُ لِأَنَّ الرَّأْسَ جَوْفٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَلِمَ لَمْ تُحَرِّمْ بِرَضْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَنْ مَضَى أَنَّهَا تُحَرِّمُ‏؟‏ قِيلَ بِمَا حَكَيْنَا أَنَّ عَائِشَةَ تَحْكِي أَنَّ الْكِتَابَ يُحَرِّمُ عَشْرَ رَضَعَاتٍ ثُمَّ نُسْخِنَ بِخَمْسٍ وَبِمَا حَكَيْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «لاَ تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلاَ الرَّضْعَتَانِ» وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرْضَعَ سَالِمٌ خَمْسَ رَضَعَاتٍ يُحَرِّمُ بِهِنَّ فَدَلَّ مَا حَكَتْ عَائِشَةُ فِي الْكِتَابِ وَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الرَّضَاعَ لاَ يُحَرِّمُ بِهِ عَلَى أَقَلِّ اسْمِ الرَّضَاعِ وَلَمْ يَكُنْ فِي أَحَدٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةٌ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَنْ مَضَى بِمَا حَكَتْ عَائِشَةُ فِي الْكِتَابِ ثُمَّ فِي السُّنَّةِ وَالْكِفَايَةُ فِيمَا حَكَتْ عَائِشَةُ فِي الْكِتَابِ ثُمَّ فِي السُّنَّةِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَمَا يُشْبِهُ هَذَا‏؟‏ قِيلَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا‏}‏ فَسَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَطْعَ فِي رُبْعِ دِينَارٍ وَفِي السَّرِقَةِ مِنْ الْحِرْزِ وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ‏}‏ فَرَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّانِيَيْنِ الثَّيِّبَيْنِ وَلَمْ يَجْلِدْهُمَا فَاسْتَدْلَلْنَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَطْعِ مِنْ السَّارِقِينَ وَالْمِائَةِ مِنْ الزُّنَاةِ بَعْضُ الزُّنَاةِ دُونَ بَعْضٍ وَبَعْضُ السَّارِقِينَ دُونَ بَعْضٍ لاَ مَنْ لَزِمَهُ اسْمُ سَرِقَةٍ وَزِنًا فَهَكَذَا اسْتَدْلَلْنَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِتَحْرِيمِ الرَّضَاعِ بَعْضُ الْمُرْضِعِينَ دُونَ بَعْضٍ لاَ مَنْ لَزِمَهُ اسْمُ رَضَاعٍ‏.‏

رَضَاعَةُ الْكَبِيرِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ فَقَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ شَهِدَ بَدْرًا وَكَانَ قَدْ تَبَنَّى سَالِمًا الَّذِي يُقَالُ لَهُ سَالِمُ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ كَمَا تَبَنَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَأَنْكَحَ أَبُو حُذَيْفَةَ سَالِمًا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ ابْنَهُ فَأَنْكَحَهُ ابْنَةَ أَخِيهِ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ مِنْ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَفْضَلِ أَيَامَى قُرَيْشٍ «فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ مَا أَنْزَلَ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ‏}‏ رَدَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أُولَئِكَ مَنْ تَبَنَّى إلَى أَبِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَبَاهُ رَدَّهُ إلَى الْمَوْلَى فَجَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ وَهِيَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنَّا نَرَى سَالِمًا وَلَدًا وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيَّ وَأَنَا فُضُلٌ وَلَيْسَ لَنَا إلَّا بَيْتٌ وَاحِدٌ فَمَاذَا تَرَى فِي شَأْنِهِ‏؟‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنَا أَرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَيَحْرُمُ بِلَبَنِهَا فَفَعَلَتْ فَكَانَتْ تَرَاهُ ابْنًا مِنْ الرَّضَاعَةِ فَأَخَذَتْ عَائِشَةُ بِذَلِكَ فِيمَنْ كَانَتْ تُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنْ الرِّجَالِ فَكَانَتْ تَأْمُرُ أُخْتَهَا أُمَّ كُلْثُومٍ وَبَنَاتِ أَخِيهَا يُرْضِعْنَ لَهَا مَنْ أَحَبَّتْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَأَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ وَقُلْنَ مَا نَرَى الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ إلَّا رُخْصَةً فِي سَالِمٍ وَحْدَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَدْخُلُ عَلَيْنَا بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ أَحَدٌ» فَعَلَى هَذَا مِنْ الْخَبَرِ كَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فِي سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ خَاصَّةً‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ مَا دَلَّ عَلَى مَا وَصَفْت‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَذَكَرْت حَدِيثَ سَالِمٍ الَّذِي يُقَالُ لَهُ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَ امْرَأَةَ أَبِي حُذَيْفَةَ أَنْ تُرْضِعَهُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ يَحْرُمُ بِهِنَّ»، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فِي الْحَدِيثِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي سَالِمٍ خَاصَّةً وَإِذَا كَانَ هَذَا لِسَالِمٍ خَاصَّةً فَالْخَاصُّ لاَ يَكُونُ إلَّا مُخْرَجًا مِنْ حُكْمِ الْعَامِّ وَإِذَا كَانَ مُخْرَجًا مِنْ حُكْمِ الْعَامِّ فَالْخَاصُّ غَيْرُ الْعَامِّ وَلاَ يَجُوزُ فِي الْعَامِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَضَاعُ الْكَبِيرِ لاَ يُحَرِّمُ وَلاَ بُدَّ إذَا اخْتَلَفَ الرَّضَاعُ فِي الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ طَلَبِ الدَّلاَلَةِ عَلَى الْوَقْتِ الَّذِي إذَا صَارَ إلَيْهِ الْمُرْضِعُ فَأَرْضَعَ لَمْ يَحْرُمْ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَالدَّلاَلَةُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مَوْجُودَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏.‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ‏}‏ فَجَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَمَامَ الرَّضَاعِ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ‏.‏

وَقَالَ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا‏}‏ يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ إرْخَاصَهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي فِصَالِ الْحَوْلَيْنِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِاجْتِمَاعِهِمَا عَلَى فِصَالِهِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ وَذَلِكَ لاَ يَكُونُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إلَّا بِالنَّظَرِ لِلْمَوْلُودِ مِنْ وَالِدَيْهِ أَنْ يَكُونَا يَرَيَانِ أَنَّ فِصَالَهُ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ إتْمَامِ الرَّضَاعِ لَهُ لِعِلَّةٍ تَكُونُ بِهِ أَوْ بِمُرْضِعَتِهِ وَأَنَّهُ لاَ يَقْبَلُ رَضَاعَ غَيْرِهَا أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا‏.‏ وَمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ غَايَةً بِالْحُكْمِ بَعْدَ مُضِيِّ الْغَايَةِ فِيهِ غَيْرَهُ قَبْلَ مُضِيِّهَا‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ وَمَا ذَلِكَ‏؟‏ قِيلَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلاَةِ‏}‏ الْآيَةُ فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَقْصُرُوا مُسَافِرِينَ وَكَانَ فِي شَرْطِ الْقَصْرِ لَهُمْ بِحَالٍ مَوْصُوفَةٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُمْ فِي غَيْرِ تِلْكَ الصِّفَةِ غَيْرُ الْقَصْرِ‏.‏ وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ‏}‏ فَكُنَّ إذَا مَضَتْ الثَّلاَثَةُ الْأَقْرَاءُ فَحُكْمُهُنَّ بَعْدَ مُضِيِّهَا غَيْرُ حُكْمِهِنَّ فِيهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَقَدْ قَالَ عُرْوَةُ قَالَ غَيْرُ عَائِشَةَ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نَرَى هَذَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا رُخْصَةً فِي سَالِمٍ‏.‏ قِيلَ‏:‏ فَقَوْلُ عُرْوَةَ عَنْ جَمَاعَةِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرِ عَائِشَةَ لاَ يُخَالِفُ قَوْلَ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّهَا أَنَّ ذَلِكَ رُخْصَةٌ مَعَ قَوْلِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي الْحَدِيثِ هُوَ خَاصَّةً وَزِيَادَةُ قَوْلِ غَيْرِهَا مَا نَرَاهُ إلَّا رُخْصَةً مَعَ مَا وَصَفْت مِنْ دَلاَلَةِ الْقُرْآنِ وَإِنِّي قَدْ حَفِظْت عَنْ عِدَّةٍ مِمَّنْ لَقِيت مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ رَضَاعَ سَالِمٍ خَاصٌّ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَهَلْ فِي هَذَا خَبَرٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قُلْت فِي رَضَاعِ الْكَبِيرِ‏؟‏ قِيلَ نَعَمْ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عُمَرَ وَأَنَا مَعَهُ عِنْدَ دَارِ الْقَضَاءِ يَسْأَلُهُ عَنْ رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ كَانَتْ لِي وَلِيدَةٌ فَكُنْت أَطَؤُهَا فَعَمَدَتْ امْرَأَتِي إلَيْهَا فَأَرْضَعَتْهَا فَدَخَلْت عَلَيْهَا فَقَالَتْ دُونَك فَقَدْ وَاَللَّهِ أَرْضَعْتهَا‏.‏ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَوْجِعْهَا وَائْتَ جَارِيَتَك فَإِنَّمَا الرَّضَاعُ رَضَاعُ الصَّغِيرِ‏.‏

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لاَ رَضَاعَ إلَّا لِمَنْ أَرْضَعَ فِي الصِّغَرِ‏.‏

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا مُوسَى قَالَ رَضَاعَةُ الْكَبِيرِ مَا أَرَاهَا إلَّا تُحَرِّمُ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ اُنْظُرْ مَا يُفْتِي بِهِ الرَّجُلُ فَقَالَ أَبُو مُوسَى فَمَا تَقُولُ أَنْتَ‏؟‏ فَقَالَ لاَ رَضَاعَةَ إلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ فَقَالَ أَبُو مُوسَى لاَ تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ مَا كَانَ هَذَا الْحَبْرُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَجِمَاعُ فَرْقِ مَا بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ أَنْ يَكُونَ الرَّضَاعُ فِي الْحَوْلَيْنِ فَإِذَا أُرْضِعَ الْمَوْلُودُ فِي الْحَوْلَيْنِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ كَمَا وَصَفْت فَقَدْ كَمُلَ رَضَاعُهُ الَّذِي يُحَرِّمُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَسَوَاءٌ أُرْضِعَ الْمَوْلُودُ أَقَلَّ مِنْ حَوْلَيْنِ ثُمَّ قُطِعَ رَضَاعُهُ ثُمَّ أُرْضِعَ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ أَوْ كَانَ رَضَاعُهُ مُتَتَابِعًا حَتَّى أَرْضَعَتْهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى فِي الْحَوْلَيْنِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ وَلَوْ تُوبِعَ رَضَاعُهُ فَلَمْ يُفْصَلْ ثَلاَثَةَ أَحْوَالٍ أَوْ حَوْلَيْنِ أَوْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَأُرْضِعَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ لَمْ يُحَرِّمْ الرَّضَاعُ شَيْئًا وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَلَوْ أُرْضِعَ فِي الْحَوْلَيْنِ أَرْبَعَ رَضَعَاتٍ وَبَعْدَ الْحَوْلَيْنِ الْخَامِسَةَ وَأَكْثَرَ لَمْ يُحَرِّمْ وَلاَ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا مَا تَمَّ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فِي الْحَوْلَيْنِ، وَسَوَاءٌ فِيمَا يُحَرِّمُ الرَّضَاعُ وَالْوَجُورُ، وَإِنْ خُلِطَ لِلْمَوْلُودِ لَبَنٌ فِي طَعَامٍ فَيَطْعَمُهُ كَانَ اللَّبَنُ الْأَغْلَبَ أَوْ الطَّعَامُ إذَا وَصَلَ اللَّبَنُ إلَى جَوْفِهِ وَسَوَاءٌ شِيبَ لَهُ اللَّبَنُ بِمَاءٍ كَثِيرٍ أَوْ قَلِيلٍ إذَا وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ فَهُوَ كُلُّهُ كَالرَّضَاعِ وَلَوْ جُبِّنَ لَهُ اللَّبَنُ فَأُطْعِمَ جُبْنًا كَانَ كَالرَّضَاعِ، وَكَذَلِكَ لَوْ استسعطه لِأَنَّ الرَّأْسَ جَوْفٌ وَلَوْ حقنه كَانَ فِي الْحُقْنَةِ قَوْلاَنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَوْفٌ وَذَلِكَ أَنَّهَا تُفْطِرُ الصَّائِمَ لَوْ احْتَقَنَ، وَالْآخَرُ أَنَّ مَا وَصَلَ إلَى الدِّمَاغِ كَمَا وَصَلَ إلَى الْمَعِدَةِ لِأَنَّهُ يُغْتَذَى مِنْ الْمَعِدَةِ وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ الْحُقْنَةُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ أَنَّ صَبِيًّا أُطْعِمَ لَبَنَ امْرَأَةٍ فِي طَعَامٍ مَرَّةً وَأُوجِرَهُ أُخْرَى وَأَسْعَطهُ أُخْرَى، وَأُرْضِعَ أُخْرَى، ثُمَّ أُوجِرَهُ وَأُطْعِمَ حَتَّى يَتِمَّ لَهُ خَمْسُ مَرَّاتٍ كَانَ هَذَا الرَّضَاعُ الَّذِي يُحَرِّمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَا يَقُومُ مَقَامَ صَاحِبِهِ وَسَوَاءٌ لَوْ كَانَ مِنْ صِنْفِ هَذَا خَمْسٌ مِرَارًا أَوْ كَانَ هَذَا مِنْ أَصْنَافٍ شَتَّى، وَإِذَا لَمْ تَتِمَّ لَهُ الْخَامِسَةُ إلَّا بَعْدَ اسْتِكْمَالِ سَنَتَيْنِ لَمْ يَحْرُمْ، وَإِنْ تَمَّتْ لَهُ الْخَامِسَةُ حِينَ يُرْضَعُ الْخَامِسَةَ فَيَصِلُ اللَّبَنُ إلَى جَوْفِهِ أَوْ مَا وَصَفْت أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الرَّضَاعِ مَعَ مُضِيِّ سَنَتَيْنِ قَبْلَ كَمَالِهَا فَقَدْ حَرُمَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ كَمَالِهَا بِطَرْفَةِ عَيْنٍ أَوْ مَعَ كَمَالِهَا إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ كَمَالُهَا‏.‏